المغرب ينتصر “فضائيا” على إسبانيا وهذا ما حدث يوم 18 نونبر 2020

أفريقيا بلوس/ الصحيفة

 

عندما كان القمر الصناعي “محمد السادس – ب” ينطلق من مركز “غيانا” للفضاء يوم 21 نونبر 2018 قاصدا مداره الفضائي بنجاح، كان المغرب يعلن، عمليا، بالتزامن مع ذلك، تقدمه خطوة أخرى في سباق “التجسس” المحموم الذي يخوضه ليس فقط مع جارته الشرقية الجزائر وضد أنشطة جبهة “البوليساريو” الانفصالية على الحدود مع الصحراء، وإنما أيضا مع جارته الشمالية إسبانيا التي وجدت نفسها مرة أخرى خلفه بخطوة.

ففي غمرة الحرب الدبلوماسية التي تخوضها الرباط ومدريد، والتي لم تنجح التصريحات “الودية” لبعض مسؤولي البلدين في إخفاء معالمها، والتي تتمحور أساسا حول تطورات الوضع في الصحراء والسيادة على سبتة ومليلية وترسيم الحدود البحرية الجنوبية للمغرب، عادت بقوة إلى الواجهة التساؤلات حول قدرات البلدين لمراقبة بعضهما البعث من الفضاء والتي كانت إحدى الأسباب الرئيسية لاستثمارهما في الأقمار الصناعية المتطورة.

صفعة للبرنامج الإسباني

في 18 نونبر 2020 تلقى برنامج الفضاء الإسباني صفعة موجعة عندما فضل إطلاق القمر الصناعي “إنخينيو” عبر الصاروخ “فيغا” انطلاقا من قاعدة كورو الفضائية في “غيانا الفرنسية”، وذلك بعدما انحرف الصاروخ عن مساره عقب انطلاقه بـ8 دقائق، لتفشل بذلك محاولة إسبانيا تدعيم ترسانتها من الأقمار الصناعية الخاصة بمراقبة الأرض بقمر آخر من الجيل الحديث كان سيستقر على بعد 670 كيلومترا من سطح الأرض.

وبدأ برنامج إسبانيا للأقمار الخاصة بالمراقبة الأرضية في 2009 بإطلاق القمر الصناعي “ديموس 1” التي استقر على بعد 600 كيلومتر من سطح الأرض وكان بمقدوره التقاط بدقة تصل إلى 22 مترا، تبعه في 2014 إطلاق قمر “ديموس 2” المستقر على ارتفاع 597 كيلومترا من سطح الأرض والذي يستطيع القاط صور تبلغ دقتها 5 أمتار، وكلا القمرين تابعان لشركة “ديموس” للصور.

لكن البرنامج الحكومي الإسباني الخاصة بأقمار المراقبة الأرضية من الجيل الجديد التي يدخل التجسس لأهداف عسكرية ضمن نطاق تخصصها، سينطلق فعليا في 22 فبراير 2018 بإطلاق القمر الصناعي “باث – سلام” الذي سيستقر على مسافة 514 مترا من سطح الأرض وسيمكن من التقاط صور عالية الجودة بدقة تصل إلى متر واحد.

حرب تجسس معلنة

ويمثل “باث” الشاهد الأوضح على حرب “التجسس” التي تخوضها إسبانيا مع المغرب، فهو خاضع مباشرة لمراقبة وزارة الدفاع، كما أن أجهزة المخابرات الإسبانية تعتمد عليه، وفق ما جاء في تقرير لصحيفة “إلكونفيدينثيال ديخيتال” الإسبانية، التي نقلت عن مصادرها في المخابرات أن إطلاق هذا القمر الصناعي مثل “قفزة ذكية” للبلاد، مؤكدة أنه بات يوفر معلومات استطلاعية واستخباراتية قيمة.

ويبدو حضور المغرب في مخطط الفضاء الإسباني بارزا، حيث إن التفكير الجدي في إطلاق قمر صناعي إسباني لأول مرة كان، حسب التقرير، في عهد رئيس الوزراء اليميني الأسبق خوسي ماريا أثنار، وتحديدا من طرف وزير الدفاع فيديريكو ترييو، عقب أزمة جزيرة ليلى في 2002، حين اكتشفت إسبانيا حاجتها إلى قمر صناعي خاص بها يغنيها عن الاستعانة بصور ومعلومات أقمار دول أخرى وتحديدا فرنسا.

وبدأ التحضير عمليا لهذه الخطوة خلال ولاية حكومة رئيس الوزراء الاشتراكي السابق خوسي لويس رودريغيز ثباتيرو، لكن إطلاقه بعد 3 أشهر ونصف فقط من إطلاق أول قمر صناعي مغربي له نفس الأهداف، ويتعلق الأمر بقمر “محمد السادس – أ” الذي وصل إلى مداره بتاريخ 8 نونبر 2017، الأمر الذي دفع مدريد إلى التعجيل بهذه الخطوة حتى تلحق بجارها الجنوبي، وهو ما يفسر أيضا الإحباط الذي أصاب برنامجها بعد فشل إطلاق قمر “إنخينيو” الذي أعاد للرباط تقدمها.

المغرب يحقق حلمه

بالنسبة للمغرب، طموح امتلاك ترسانة من الأقمار الصناعية المخصصة للمراقبة والتجسس ليس أمرا جديد، فالمشروع الأول بدأ في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، بإنشاء المركز الملكي للاستكشاف الفضائي سنة 1989، قبل أن تتطور الفكرة لامتلاك قمر صناعي مغربي الذي بدأ العمل عليه مع جامعة برلين التقنية، وفي 10 دجنبر 2001 سيتحول الحلم إلى حقيقة بإطلاق القمر “ماروك توب سات” الذي سيُطلق عليه اسم “زرقاء اليمامة”.

كان هذا القمر خطوة أولى على درب امتلاك المغرب لقدرات رصد ومراقبة متطورة، فالقمر الذي استقر على بعد 1000 كيلومتر من الأرض كان قادرا على التقاط صور بجودة 300 متر، وهو ما يعني أنه أصبح متجاوزا مع مرور الوقت وفرض الدخول في مشروع جديد أكثر تطورا، وهو ما تم تنزيله بالفعل على أرض الواقع من خلال مشروع قمري “محمد السادس” اللذان جرى الاتفاق مع فرنسا على تصنيعهما بقيمة 500 مليون دولار سنة 2013، وذلك عبر شركتي “تاليس إيلينا سبايس” و”إيرباص للدفاع والفضاء”.

وفي 8 نونبر 2017 سيبدأ تنفيذ الشق الأول من المشروع عبر إطلاق القمر الصناعي “محمد السادس – أ” بواسطة صاروخ “فيغا” الإيطالي انطلاقا من قاعدة “كورو” في غيانا الفرنسية ليستقر في مداره على بعد 695 كيلومترا، وبعد عام من ذلك، وتحديدا في 21 نونبر 2018 سيجري إطلاق القمر الصناعي “محمد السادس – ب” بالطريقة نفسها، ليستقر على مدار يبعد عن الأرض بـ620 كيلومترا.

الرباط تتقدم بخطوة

وبالنسبة لجارته الشمالية، شكل نجاح المغرب في إطلاق القمرين خطوة إلى الوراء بالنسبة لبرنامجها الفضائي، وهو ما تأكد بالفعل بعد فشل إطلاق قمر “إينخينيو” الذي تاه بعد 8 دقائق من إطلاقه، إذ صار عليها الاعتماد على قدرات القمر الصناعي الإسباني “باث”، الذي يغطي في المتوسط مساحة 300.000 كيلومتر مربع والذي يستطيع بعث 100 صورة في اليوم بدقة تصل إلى 25 سنتيمترا.

وفي المقابل يستطيع القمران الصناعيان المغربيات التقاط صور ذات جودة عاليا تصل دقتها إلى 70 سنتيمترا، لكنهما يستطيعان نقل 500 صورة في اليوم إلى المعهد الملكي للاستشعار البعدي الفضائي بالقرب من مطار الرباط – سلا، الذ يستطيع أن يحصل على صور من أي مكان على كوكب الأرض في مدة لا تتجاوز 24 ساعة.

وبالإضافة إلى الأهداف المدنية لهذا المشروع، المتمثلة في استخداماته لفائدة المسح الخرائطي والرصد الزراعي ومراقبة التغيرات البيئية ومحاربة التصحر والمساعدة على محاصرة الكوارث الطبيعية، فإن له أيضا قدرات كبيرة في المجال الأمني والعسكري تشمل مراقبة منطقة شاعة تتجاوز 7,7 ملايين كيلومتر مربع لا تقتصر فقط على الدول المغاربية ومنطقة الساحل، بل تمتد أيضا لأوروبا ما يجعل إسبانيا تحديدا تحت أنظاره على الدوام.

في الفضاء.. فرنسا أقرب للمغرب

وتعي إسبانيا التطور النوعي الحاصل في قدرات المغرب على المراقبة والتجسس تزامنا مع تطوير قدراته العسكرية، لذلك حاولت الإسراع بتطوير برنامجها بقمر صناعي جديد، خاصة بعد تصريحات رئيس الحكومة المغربي سعد الدين العثماني مؤخرا التي ذكَّر فيها بأن الرباط تعتبر سبتة ومليلية “أراض مغربية شأنها شأن الصحراء”، وهو ما نبه إليه تقرير “إلكونفيدينثيال ديخيتال”، لكنه تطرق أيضا إلى أمر آخر يتعلق بالمصالح المشتركة بين فرنسا والمغرب.

فإسبانيا إلى حدود اللحظة لا زالت تعتمد على الصور التي تقتنيها من دول أخرى عضو في الاتحاد الأوروبي، وخاصة فرنسا التي ستتفاوض معها على اقتناء صور القمر الصناعي “CSO-2” ذي القدرات العسكرية المتطورة والذي يلتقط صورا بدقة 35 سنتيمترا، وهو الأمر الذي يعني أن الأهداف العسكرية أو الاستخباراتية الإسبانية تكون مكشوفة أمام دول أخرى.

لكن الأمر لا يقف عند هذا الحد، فالعلاقات الاستراتيجية بين المغرب وفرنسا تقف بدورها حجر عثرة أمام مدريد، فباريس تفضل عدم المغامرة بمد جارتها الأوروبية بصور قد تحدث تأثيرا مباشرا على مصالح الرباط، وهو ما حدث سنة 2002 عندما طلبت الحكومة الإسبانية من نظيرتها الفرنسية مدها بصور للمنطقة التي توجد بها جزيرة ليلى إبان الأزمة، لمعرفة ما إذا كان المغرب قد شرع في حشد قواته العسكرية استعدادا للمواجهة، لكن فرنسا تعللت بأن القمر الصناعي “أصابه عطل مفاجئ”.

قم بكتابة اول تعليق

أترك لنا تعليق

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*