اعتقال بارون المخدرات الجزائري سفيان الحمبلي في عيادة خاصة بطنجة

أفريقيا بلوس : هيئة التحرير

قصة سفيان حمبلي، المواطن الفرنسي من أصول جزائرية المعروف إعلاميا بلقب Le logisticien، تصلح لأن تكون حكاية درامية، مفعمة بالشغف والإثارة؛ لكونها ستبقى شاهدة على شبهة تورط الأمن والقضاء الفرنسيين في أكبر فضيحة أخلاقية ومالية في فرنسا العصر الحديث.
فسفيان حمبلي، الذي يوجد حاليا رهن الاعتقال الاحتياطي بالمركب السجني “العرجات” بضواحي الرباط في قضية جنائية أخذت أبعادًا إقليمية ودولية، استطاع أن يخترق الأمن الفرنسي ويجنّده في عمليات التهريب الدولي للمخدرات وإغراق أوروبا بأطنان من مخدر الحشيش!
كما تشير المعطيات ل الصحافة، إلى أن Le logisticien تمكن من تسخير الشرطة الفرنسية لتقويض أحكام الاتفاقية الدولية لمكافحة الجريمة المنظمة، خصوصا الشق المتعلق بتقنيات وأساليب البحث الخاصة، وتحديدا التسليم المراقب للمخدرات والعمليات المستترة أو ما يعرف بالاختراق! فقد تم تحويل هذه الآليات والميكانيزمات الدولية التي وُجدت لمكافحة وزجر تهريب المخدرات إلى وسائل “رسمية” تستعملها الشرطة الفرنسية لإمداد أوروبا بثلث استهلاكها من المخدرات المستخرجة من نبتة الكيف.
بل إن سفيان حمبلي، تشير مصادر متطابقة، استطاع أن يورط حتى القضاء الفرنسي في مستنقع التلاعب بالجهود الدولية لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، بعدما جعل هذا القضاء هو الذي يعطي التراخيص القانونية لإخراجه من السجن للقيام بعمليات اختراق وتنفيذ عمليات التسليم المراقب للمخدرات بطرق احتيالية ومدفوعة بخلفية إجرامية.
يحدث كل هذا في دولة اسمها فرنسا وليس في دويلة في الكاريبي أو في دولة توجد في أمريكا الوسطى واللاتينية! فالقضاء الفرنسي كان يسمح بإخراج السجين سفيان حمبلي إلى فندق بمحيط مقر المديرية المركزية للشرطة القضائية بباريس من أجل السهر على تنفيذ عمليات للتهريب الدولي للمخدرات واقتراف العديد من صور الجريمة المنظمة! ففي اعترافات هذا الأخير، كما تناقلتها المصادر ذاتها، واطلعت عليها في محاضر القضية، كان سفيان حمبلي يستغل هذه “الاستراحة القانونية” للتحريض على ارتكاب جنايات القتل العمد والاختطاف والاحتجاز والتعذيب والمطالبة بفدية مالية في إطار تصفية الحسابات بين شبكات وكارتيلات الاتجار غير المشروع في المخدرات على الصعيد الدولي.
وأكدت مصادر صحفية، على محاضر القضية التي يتابع فيها سفيان حمبلي، وحاورت بعض مخالطيه في المغرب، كما استمعت لمحامين على علاقة بهذا الملف؛ وذلك في محاولة لتسليط الضوء على قضية شغلت الرأي العام المغربي والفرنسي، بطلها بارون مخدرات استطاع أن يجند الأمن والقضاء الفرنسيين لمشاركته في تنفيذ أعمال إجرامية مذيلة بطابع “حشيش رسمي”.

الحلقة الثالثة: بارون مخدرات بحماية أمني

من يطلع على تصريحات سفيان حمبلي أمام المحققين في الفرقة الوطنية للشرطة القضائية يدرك جيدا أن الشرطة الفرنسية ذهبت بعيدا في “خرق وانتهاك” المواثيق الدولية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، وتحديدا الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية؛ بل إن المتمعن في محاضر ومشتملات هذه القضية يخرج بقناعة راسخة مؤداها أن الأمن الفرنسي، ممثلا في مكتب فرانسوا تيري، ساهم في تقويض الجهود الدولية لمكافحة تهريب المخدرات، وفي إفراغ الصكوك الدولية ذات الصلة بمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية من محتواها ومن فاعليتها. فالمشرع الدولي عندما نص في المادة 11 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية لسنة 1988 على إتاحة استخدام تقنية التسليم المراقب إنما كان يروم تفكيك الشبكات الإجرامية التي تنشط في مجال تهريب المخدرات ورصد امتداداتها وارتباطاتها في دول عديدة ومختلفة.
والاتفاقية الدولية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية (باليرمو 2000) عندما استعرضت في المادة 20 منها أساليب التحري الخاصة، مثل العمليات المستترة أو الاختراق والتسليم المراقب للمخدرات، لم تكن تعلم بأن جهازا أمنيا أوروبيا سوف يتلاعب، على بعد سنوات قليلة من صدور هذه الاتفاقية، بكل هذه الترسانة القانونية من أجل مضاعفة تهريب المخدرات بدلا من مكافحتها وزجرها.
وأفادت المصادر ذاتها، أن المفاجآت التي اطلعت الصحافة في معرض لملمة شظايا هذا الفيلم البوليسي المشوق هي أن سفيان حمبلي أقر للمحققين بأنه كان يجني ما بين 4 و5 ملايين أورو (ما يناهز خمسة مليارات سنتيم) في كل عملية “اختراق Undercover” كان ينفذها لفائدة الشرطة الفرنسية! كيف ذلك؟ فحسب تصريحات Le logisticien، أنه كان يستقبل بزنزانته، بين الفينة والأخرى، أربعة أو خمسة ضباط من المكتب المركزي الفرنسي لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات، الذين كانوا يعرضون عليه المشاركة في إنجاح عملية اختراق تستهدف شبكات إجرامية تعتزم تهريب شحنات من المخدرات من المغرب صوب فرنسا.
وكإجراءات تكتيكية وعملياتية، كان المحققون الفرنسيون يصطحبون سفيان حمبلي، تحت حماية أمنية سرية، نحو الفندق المجاور للسجن أو ذاك القريب من مقر المديرية المركزية للشرطة القضائية بباريس. وهناك يكشفون له عن اسم البارون الذي يرغبون في الإيقاع به، ويطلبون منه البحث عن وسيلة للتواصل معه وإقناعه بمساعدته في تهريب المخدرات صوب فرنسا، مستغلين في ذلك “سمعة وشبكة علاقات ومخالطات” سفيان حمبلي في صفوف شبكات المخدرات بكل من إسبانيا وفرنسا والمغرب.
ويكشف سفيان حمبلي أن الهدف من هذه العملية كان هو “غرس” أحد رجال الأمن الفرنسيين داخل الشبكة الإجرامية، بعدما ينجح في إيهام أعضائها بأن الشرطي المتخفي هو عضو بارز في شبكته، وأنه بمقدوره تهريب الأطنان من المخدرات بكيفية آمنة نحو وجهتها الأخيرة. ويردف سفيان حمبلي في تصريحاته: “إن عمليات الاختراق الأولى كان يسمح بنجاحها من طرف الشرطة الفرنسية، لتعزيز الثقة في الشرطي المتخفي لدى شبكات التهريب. وهذا (النجاح) كان يسمح بالضرورة بمرور شحنات كبيرة من المخدرات التي كان يتقاضى على إثرها سفيان مبالغ مالية تتراوح ما بين 4 و5 ملايين أورو”.
لكن المفاجأة الكبرى هي عندما كشف سفيان حمبلي للمحققين كيف كان يتلاعب بمعية مكتب مكافحة المخدرات الفرنسي بتقنية “التسليم المراقب”؛ ففي سردياته بخصوص هذه النقطة، أوضح Le logisticien بأنه نفذ، خلال فترة تعامله مع الشرطة الفرنسية، ما يزيد عن خمسين عملية تسليم مراقب للمخدرات بين المغرب وإسبانيا وفرنسا! وأنه كان يحصل كنصيب خالص من وراء كل عملية على ما يزيد عن أربعة ملايين أورو!
لكن السؤال الذي شغل الرأي العام المغربي والفرنسي هو: كيف كان يتم التلاعب بـ”التسليم المراقب للمخدرات”؟ وكيف كان يتم تسخير هذه التقنية القانونية لإغراق أوروبا بثلث استهلاكها من المخدرات “بشكل رسمي”؟ يجيب سفيان حمبلي بأن مكتب OCRTIS، وهي التسمية المختصرة للمكتب المركزي لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات بفرنسا، كان يتولى إخراجه من السجن في كل مرة يرغب فيها في تنفيذ عملية تسليم مراقب للمخدرات.
ويُسهب سفيان حمبلي أكثر في الشرح قائلا: “إن مكتب OCRTIS كان يعمد إلى مراسلة القضاء الفرنسي من أجل التماس توجيه طلب رسمي إلى السلطات المغربية بغرض السماح بتنفيذ عملية قانونية للتسليم المراقب للمخدرات بين البلدين. وبعد موافقة المغرب، يعمد سفيان بدوره إلى الاتصال بشبكات تهريب أخرى يعرض عليها خدمته في لعب دور اللوجيستيك لتهريب كميات كبيرة من المخدرات تتراوح ما بين خمسة أطنان وعشرين طنا”.
وفي ملخص لهذه المناورة التي تلتف على أحكام القانون الدولي، يوضح سفيان حمبلي بأنه كان يستغل عملية التسليم المراقب للمخدرات التي تنصب رسميا على تهريب ثلاثة أو أربعة أطنان، ويضيف عليها شحنة إضافية في ملكية شبكة أخرى قد تصل إلى عشرين طنا، ويعمد بعد ذلك إلى تهريبهما معا، مستفيدا في ذلك من رفع الحدود عليها وعدم مصادرتها من طرف المغرب وإسبانيا، امتثالا لإجراءات التعاون الأمني والقضائي الدوليين، قبل أن تعمد الشرطة الفرنسية لاحقا لضبط الشحنات الأولى المذكورة في وثائق التسليم المراقب، وتتغاضى عن الشحنات الإضافية!.
وبخصوص مصير الشحنات الإضافية غير المعنية في طلب التسليم المراقب، يؤكد سفيان حمبلي أنها كانت تصل إلى وجهتها النهائية سالمة! وكان يتقاضى نصيبه خالصا من وراء عملية تهريبها! لكن المفاجأة الأخطر هي أن جميع هذه العمليات كانت تتم بعلم فرانسوا تيري، المدير السابق لمكتب OCRTIS، حسب اعترافات سفيان حمبلي دائما.

الاختطاف والاحتجاز والتعذيب.. الوجه الآخر لبارون فرنسا الأول

خلال الفترة التي اشتغل فيها سفيان حمبلي “كبارون شبه رسمي” لحساب المكتب المركزي الفرنسي لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات، كانت السلطات المغربية قد شرعت وقتها في معاينة وتسجيل بعض الحوادث الإجرامية الخطيرة وغير المألوفة على الصعيد الوطني.
فقد سجلت مصالح الأمن المغربي في تلك الفترة قضايا إجرامية عديدة تتعلق بالاختطاف والاحتجاز والتعذيب والمطالبة بفدية مالية، والتي كانت تُنفذ في إطار تصفية الحسابات بين شبكات الاتجار الدولي في المخدرات، مع ارتباطها بقاسم مشترك يجمع بين كل هذه القضايا يتمثل في “استنكاف وإحجام” الضحايا عن تسجيل شكايات مباشرة أمام مصالح الأمن، لأنهم كانوا بدورهم مطلوبين للعدالة في قضايا إجرامية مختلفة.
لكن ما هو الخيط الناظم بين سفيان حمبلي، المعتقل ساعتها بفرنسا على ذمة قضايا تهريب المخدرات، وبين جرائم الاختطاف والاحتجاز والتعذيب والمطالبة بفدية مالية التي تم تسجيلها بالمغرب، وتحديدا بمدينتي الدار البيضاء والرباط في سنتي 2013 و2014؟
فحسب المساطر الاستنادية والمرجعية التي أحالتها الفرقة الولائية الجنائية بالدار البيضاء على الوكيل العام للملك بالرباط بتاريخ 19 نوفمبر 2013 بتهم تكوين عصابة إجرامية لأغراض ارتكاب جنايات ضد الأشخاص والممتلكات والاختطاف والاحتجاز والتعذيب والمطالبة بفدية مالية؛ فقد كشف المتهم الرئيسي وقتها المدعو إسماعيل (ز) أن سفيان حمبلي هو من اتصل به من فرنسا مرات عديدة، وطالبه بالتنسيق والتحضير لاختطاف غريمه الفرنسي من أصل جزائري مفيد بوشيبي الملقب بـ”موفMouf ” أثناء وجوده بالمغرب، وذلك بسبب خلافات بينهما حول مبالغ مالية مهمة من عائدات التجارة غير المشروعة في المخدرات.
وتشير محاضر هذه القضية، التي رفعت عنها السرية لاحقا بعد صدور الحكم النهائي في حق المتابعين فيها، إلى أن سفيان حمبلي، بعدما تأكد من استدراج مفيد بوشيبي إلى مدينة الرباط، أوعز لأحد مساعديه وهو (م) أرسلان باختطاف الضحية الجزائري وتعريضه للتعذيب وطلب فدية مالية من أفراد عائلته؛ غير أن هذه العملية ستبوء بالفشل بعدما اندلعت معركة طاحنة بين الخاطفين وأفراد عصابة مفيد بوشيبي، والتي انتهت بتخليص هذا الأخير دون سداد مبلغ الفدية المالية.
لكن سفيان حمبلي سوف يعيد نفس سيناريو الاختطاف، مستعملا نفس أفراد الشبكة الإجرامية الذين تمكنوا في مرحلة لاحقة من النجاح في اختطاف مفيد بوشيبي بمدينة الدار البيضاء واحتجازه لما يربو عن عشرة أيام، قبل أن يتم الإفراج عنه بعد حصول الخاطفين على مبلغ ثلاثة ملايين درهم كفدية مالية. السيناريو نفسه سوف تتم إعادة تجسيده مرة ثالثة يضيف إسماعيل (ز) الذي تورط في المشاركة في ارتكاب هذه الجرائم، موضحا في تصريحاته أمام المحققين أن سفيان حمبلي هو من كلّف انطلاقا من سجنه بفرنسا المسمى (م) أرسلان بمهمة اختطاف واحتجاز وتعذيب ضحية آخر يدعى هذه المرة جمال الدين (ط)، وذلك انتقاما منه بسبب شبهة استحواذه على شحنة من المخدرات كانت في ملكية Le logisticien.
وفي سياق متصل، من خلال مراجعة جميع وثائق هذا الملف، بأن جريمة القتل العمد التي ذهب ضحيتها المسمى نبيل عبد الدين الملقب بـ Yanis le boxeurما زالت تطوق عنق سفيان حمبلي، عللاى الرغم من أنه نفى أمام المحققين أية علاقة له بإزهاق روح هذا الأخير، الذي كان يشارك دائما في ارتكاب عمليات الاختطاف والاحتجاز والتعذيب التي كان يحرض عليها سفيان حمبلي انطلاقا من سجنه في فرنسا.
لكن الخطير في الاعترافات التي تضمنتها تصريحات جميع المشاركين في عمليات الاختطاف والاحتجاز والتعذيب هو أنها أجمعت على أن المحرض الرئيسي على ارتكاب هذه الجنايات ضد الأشخاص والأموال يبقى هو سفيان حمبلي، وأن توقيت ارتكاب هذه الجرائم الخطيرة كان يتزامن مع تاريخ عمله كمخبر لفائدة الشرطة الفرنسية! وهو ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول مدى معرفة الأمن الفرنسي بضلوع Le logisticien في ارتكاب هذه الجرائم البشعة التي وصلت حد القتل العمد بالمغرب؟
والراجح هو أن الجواب بالإيجاب، تؤكد مصادر متطابقة، مشددة في هذا الإطار “على أن الجهاز الأمني الفرنسي، الذي كان يعلم بأن سفيان حمبلي يستغل التسليم المراقب والاختراق لتهريب المخدرات بشكل رسمي، أكيد سيكون على دراية مسبقة بمشاريعه الإجرامية التي كانت تستهدف أمن الأشخاص وسلامة أموالهم وممتلكاتهم”.

قم بكتابة اول تعليق

أترك لنا تعليق

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*