اليوم، صار بإمكان المغاربة أن يتركوا أسواق الخضار والفواكه واللحوم، ويتّجهوا نحو التلفزيون، إذا أرادوا اقتناء بضائعهم، وسببُ ذلك أن القنوات المحلية صارت المكان الوحيد الذي انخفضت فيه الأثمان (فيديو)

أفريقيا بلوس : هيئة التحرير

اليوم، صار في إمكان المغاربة أن يتركوا الأسواق ومتاجر الخضار والفواكه واللحوم، ويتّجهوا نحو التلفزيون، إذا أرادوا اقتناء بضائعهم. وسببُ ذلك أن القنوات المحلية صارت المكان الوحيد الذي انخفضت فيه الأثمان، والعهدة على نشرات الأخبار والمسؤولين والمواطنين الذين يدلون بتصريحات للميكرفونات… أما في الواقع فما زالت نيران الأثمان مستعرة، لا تطفئها حتّى أصوات الغضب التي انتشرت في مجموعة من المدن المغربية.
والمثير حقًّا أنّ مسؤولاً استضافته إحدى النشرات الإخبارية، نعت كل الذين يتحدثون عن استمرار غلاء أسعار المواد الاستهلاكية بـ «العَدميين»، دون أن تطلب منه مذيعة الأخبار سحب هذه الكلمة أو الاعتذار عنها، إذ لا يجوز بأيّ حال لمسؤول في إدارة حكومية أن يستغلّ مروره في قناة تلفزيونية عمومية، لكي يمرّر عبارات قدحية في حقّ المواطنين الذين لهم وجهة نظر مغايرة وتقييم مختلف للمعطيات الراهنة.
التلفزيون يقول إن الأثمان بدأت في الانخفاض تدريجيًّا، حُجّتُه في ذلك ما ردّده الوزير الناطق الرسمي باسم الحكومة منذ بضعة أيام، على مرأى ومسمع من الإعلاميين والناس أجمعين. فهل يصدُق على كلام معاليه قول الشاعر الجاهلي:

«إذا قالتْ حَذَامِ فصَدِّقوها … فإنّ القول ما قالتْ حَذَامِ»؟

لكنّ العادي والبادي يعرف أن المؤتمر الصحافي الأسبوعي للوزير المعني هو فقط مناسبة «شكلية» لترديد ما يُملى عليه أو ما يُطلب منه أن يقوله، وليس بالضرورة هو الحقيقة.
وكأن الناطق بلسان الحكومة يتذكّر الفقرة الساخرة الشهيرة التي كان يتندّر بها الثنائي «بزيز وباز» في الثمانينيات: «الكاميرا شاعلة… الكاميرا طافية»؛ ومعناها أنه حين تُسلَّط كاميرا التلفزيون على الخضار والفواكه واللحوم، تكون أسعارها رخيصة جدًّا وفي متناول العموم، ولكن حين «تُطفأ الكاميرا تتعرى الحقيقة»، فتظهر الأثمان المرتفعة للجميع. ومن ثم، يتكيّف كلام المواطن الذي يُستجوَب مع كلّ وضع على حدة: يمتدح الأسعار عندما يتم تشغيل الكاميرا، وينبري منتقدًا عندما تبتعد عنه الأضواء!

لغة الخشب!

الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس، شاب يبلغ من العمر 45 سنة، ومن المفروض إذنْ أن يكون متشبّعًا بروح الجيل الجديد وأسلوبه، عوض أن يظلّ مُقيّدًا بسيرة السلف من السياسيين الذين لا يتقنون غير لغة الخشب؛ فلا غرابة أنه لم يسلم من انتقاد الكثيرين.
لكن النقد اللاذع ورد على لسان الخبير القانوني جمال معتوق الذي انتهز مشاركته في «الجامعة الشعبية» لأحد أحزاب المعارضة، فقال: إن الناطق الرسمي يخرج فرحًا بعد انعقاد المجلس الحكومي، ويجيب عن الأسئلة مرتاحًا، بينما ينبغي أن يكون منهكًا ويتصبب عرقًا، نتيجة الملفات الشائكة، وفي مقدمتها غلاء الأسعار.
وسخر معتوق من كلام الوزير بإشارته إلى أن اللجان المحلية راقبت 45 ألف تاجر خضار ومواد غذائية، وتساءل: ما ذنب التاجر الصغير، والحال أن البضائع تصله بأثمان غالية؟! وتابع قائلاً إن الوزير يتباهى بكون لجان المراقبة حررت حوالي 2500 محضر مخالفة، وأتلفت مئات الأطنان من الحلويات واللحوم الحمراء والبيضاء والخضروات والتوابل، واستنتج الخبير مستغربا: «لو لم يجر إتلاف هذه المنتجات لكُنّا أكلناها! حسنًا، وماذا كان يقع خلال الشهور السابقة؟» يجيب: «كانت تلك اللحوم والخضروات تدخل إلى بطوننا، لأن اللجان لم تخرج للمراقبة إلا أخيرا. وهكذا، فتح كلام الوزير الباب مشرعًا أمام أي مواطن حصل له تسمم غذائي، بأن يرفع دعوى ضد الحكومة بحجة المسؤولية التقصيرية»، والعهدة على الخبير القانوني جمال معتوق!

الوزير «الليلي»!

أما وزير الفلاحة المغربي فيبدو أن حالة من الوجد الصوفي غشيته، فاستحضر سيرة خليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الذي كان يخرج ليلا لتفقُّد أحوال الرعية. وبذلك، استغلّ الوزير وجوده في مدينة أغادير، معقل رئيس الحكومة الذي يقود مجلسها البلدي، وقدّر ودبّر وضرب أخماسًا في أسداس، وقرّر أن يسري ليلاً من أجل أن يفاجئ باعة الخضار والفواكه بالجملة في مدينة إنزكان القريبة من أغادير!
لكن، لم يكن في الأمر أي مفاجأة، بدليل أن الحركة الاستعراضية لمعاليه فجرًا في سوق الجملة، رافقها جيش من المصورين والإعلاميين والمرافقين… وبقي لديوان معالي الوزير أن يستدعي «الهتافين» و«النكافين»! (أي الذين يتوّلون تزيين العروس والإشادة بمحاسنها الحقيقية أو المصنّعة). وكما هو الشأن بالنسبة للناطق الرسمي باسم الحكومة، فإن وزير الفلاحة كان له نصيب وافر من «الجلد» السياسي، إذ وصفه محمد أوزين، الأمين العام لحزب «الحركة الشعبية» المعارض، بـ»عدم الكفاءة» خلال لقاء حزبي مُوثَّق بالصوت والصورة، وسبب ذلك أن معالي الوزير تعامل بتجاهل واحتقار مع صحافية سألته عن الإجراءات التي ستتخذها الحكومة للحد من غلاء أسعار المواد الغذائية، إذ انصرف غير مبال، كما أن مرافقيه ضحكوا للموقف، ولم يبق لهم سوى أن يصفقوا للوزير، يقول أوزين مُستحضرًا الفيديو الذي سجَّل المشهد نفسه!

واقعة «الكرّاطة»!

بيد أن أوزين الذي يحاول هذه الأيام أن يبدو بمظهر «المعارض الشرس» ينسى أو يتناسى أن بيته من زجاج، فكيف يجرؤ على رمي بيوت الآخرين بالحجارة؟
_أولاً: لأن حزبه «الحركة الشعبية» أَلِفَ كراسي الوزارات الوثيرة لعقود طويلة، حتّى لم يعد يعرف كيف يمارس المعارضة، بعدما وجد نفسه مُكرهًا خارج توزيع الكعكة الحكومية، عقب انتخابات أيلول/ سبتمبر 2021.
_ثانيًّا: لأنّ اسم القيادي «الحرَكي» نفسه ارتبط لدى المغاربة بواقعة «الكرّاطة» الشهيرة، وقصّتها لمن لا يعرفها، أن الأمطار هطلت على ملعب في الرباط خلال بطولة دولية، فغمرت أرضيته وكشفت عيوبه. ومما زاد الطين بلّة أن مسؤولي وزارة الشباب والرياضة أوحوا إلى العمّال باستعمال ماسحات مطاطية كبرى (يطلق عليها في المغرب «الكرّاطات») لكسح المياه من على عُشب الملعب! وقعت تلك «الفضيحة» أمام أعين اللاعبين والجمهور والقنوات التلفزيونية العالمية؛ فكانت سببًا في إقالة الوزير محمد أوزين من وزارة الشباب والرياضة.

أين اختفت «مدرسة المشاغبين»؟

أين اختفت السلسلة الكرتونية الفكاهية المغربية التي كانت تبث على «اليوتيوب» تحت اسم «مدرسة المشاغبين» أو «مدرسة 36»، كناية عن الرقم الذي يحيل على مستشفى للأمراض العقلية يبعد عن مدينة الدار البيضاء بحوالي 36 كيلومتر؟
لطالما خلقت تلك السلسلة لها جمهورا عريضا، لأنها كانت تمارس النقد السياسي بطريقة ساخرة لطيفة، طيلة رئاسة حزب «العدالة والتنمية» للحكومة ما بين 2012 و2021، إذ بدأت بحلقات ساخرة عن عبد الإله بن كيران، ثم انتقلت إلى سعد الدين العثماني، ومعهما الفريق الوزاري في المرحلتين معا؛ دون أن يطال المنع «مدرسة المشاغبين».
لكنها توارت عن الأنظار بعد صعود عزيز أخنوش إلى قيادة الحكومة. فكيف يمكن تفسير اختفائها؟ هل معنى ذلك أن دورها انتهى بالسقوط المدوي للحزب «الإسلامي»؟ أم إن «نجوم» المشهد السياسي الجديد يضيق صدرهم عن كل انتقاد، حتّى ولو كان سخرية بريئة؟

مجرد تساؤلات مشروعة!

قم بكتابة اول تعليق

أترك لنا تعليق

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*