تحليل سياسي دولي _ أفريقيا بلوس ميديا
في مشهدٍ يعكس حالة الارتباك واليأس داخل صفوفها، خرجت جبهة البوليساريو الانفصالية ببيان ناريٍّ، لا يختلف كثيرًا عن صرخةٍ في الفراغ، تعلن فيه أنها “لن تكون طرفًا في أي عملية سياسية لا تحترم حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره”.
بيانٌ وُصف من قِبَل المراقبين بأنه “رقصة الديك المذبوح”، بعد أن أسدل مجلس الأمن الدولي الستار على أوهام الانفصال، وكرّس من جديد مقترح الحكم الذاتي المغربي كخيارٍ وحيدٍ وواقعيٍّ ودائمٍ للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.
—من الخطاب الثوري إلى البكاء السياسي
لم يكن بيان البوليساريو سوى محاولةٍ يائسة لتلميع وجه مشروعٍ متهالك فقد كل مقومات البقاء.
فمنذ تبنّي مجلس الأمن قراره الأخير، الذي ثبّت موقف المجتمع الدولي حول جدية ومصداقية المقترح المغربي، تعيش الجبهة الانفصالية حالة من الانفصام السياسي.
فبين خطابٍ مملوءٍ بالشعارات القديمة عن “تقرير المصير”، وبين واقعٍ دبلوماسيٍّ جديدٍ تجاوزها بالكامل، لم تجد الجبهة سوى التصعيد الكلامي كوسيلةٍ لتبرير سقوطها المدويّ.
يقول أحد الدبلوماسيين المغاربة السابقين إنّ “البيان لم يكن موجّهًا للأمم المتحدة، بل لجمهورٍ داخليٍّ غاضبٍ داخل المخيمات، يعيش على الإحباط والخداع منذ نصف قرن”، مضيفًا أن “القيادة الانفصالية تُدرك أن قطار الحل انطلق من نيويورك ولن ينتظر أحدًا”.
—الأمم المتحدة تحسم.. والمغرب يترسّخ
القرار الأخير لمجلس الأمن لم يأتِ من فراغ، بل هو ثمرة مسارٍ طويلٍ من الدبلوماسية المغربية الهادئة والحازمة بقيادة جلالة الملك محمد السادس.
ففي الوقت الذي كانت فيه الجزائر وجبهة البوليساريو تُضيّعان الوقت في المناورات والمرافعات العقيمة، كان المغرب يُراكم الاعترافات الدولية، ويُعزّز وجوده التنموي والاقتصادي والسياسي في الأقاليم الجنوبية، محوّلًا الصحراء إلى نموذج استقرار وتنمية في إفريقيا.
لقد باتت الأمم المتحدة اليوم أكثر اقتناعًا من أي وقتٍ مضى بأن الحل الواقعي والوحيد يتمثل في مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، باعتبارها الإطار الذي يضمن الكرامة والعدالة والاستقرار الإقليمي.
أما الدعوات القديمة إلى “الاستفتاء”، فقد دُفنت رسميًا في أرشيف التاريخ الأممي، بعدما تبيّن استحالتها السياسية والقانونية والعملية.
—البوليساريو.. بين عزلةٍ دوليةٍ وتصدّعٍ داخلي
الجبهة التي كانت تُقدَّم يومًا كـ”حركة تحرر”، أصبحت اليوم مجرد ورقة ضغط في يد النظام الجزائري، يُلوّح بها كلما اشتدت عليه الأزمات.
لكن حتى هذا الدور بدأ يتلاشى، بعدما انكشفت اللعبة أمام العالم: نزاعٌ مفتعل لتبرير عداءٍ دائمٍ للمغرب.
على الأرض، يعيش قادة البوليساريو حالة ارتباك داخلي غير مسبوقة، وسط غليانٍ في مخيمات تندوف حيث تتزايد الأصوات المطالبة برحيل القيادة الفاسدة، وبكشف مصير المساعدات الإنسانية، وبإنهاء العبودية السياسية التي تُمارَس باسم “القضية”.
يقول أحد النشطاء الصحراويين المنشقين:
> “كل بيان يصدر من القيادة في الرابوني هو محاولة لتأجيل النهاية الحتمية.. نهاية مشروعٍ وُلد ميّتًا، وعاش على أنفاس الجزائر، وسيموت في صمتها.”
—الجزائر.. الخاسر الأكبر
لم يكن بيان البوليساريو سوى انعكاسٍ لمزاج الجزائر الرسمي، التي تلقت ضربة دبلوماسية موجعة من مجلس الأمن.
فبينما كانت الدبلوماسية الجزائرية تراهن على إعادة ملف الصحراء إلى نقطة الصفر، جاء القرار الأممي ليؤكد من جديد دور الجزائر كطرف رئيسي في النزاع، وليكشف أن “الحياد” الذي تتشدّق به ما هو إلا قناعٌ شفاف لمواقف عدائية ثابتة تجاه المغرب.
اليوم، تقف الجزائر أمام إفلاسٍ سياسيٍّ جديد:
– لا هي قادرة على فرض مشروعها الانفصالي،
– ولا هي قادرة على التراجع دون أن تفقد ماء وجهها أمام شعبٍ بدأ يسأل: إلى متى تُصرف أموالنا على وهمٍ صحراويٍّ خاسر؟
—النهاية المحتومة.. وميلاد واقعٍ جديد
بيان البوليساريو الأخير ليس سوى وصية سياسية لجبهة تحتضر، تحاول عبر لغةٍ خشبيةٍ أن تُقنع نفسها بأنها لا تزال موجودة.
لكن الواقع الدولي يقول غير ذلك:
– الأمم المتحدة حدّدت الإطار.
– المغرب يرسّخ سيادته.
– والمجتمع الدولي يغلق ملف الوهم.
وهكذا، فإن “رقصة الديك المذبوح” لم تكن سوى حركةٍ عصبيةٍ أخيرة لجسدٍ سياسيٍّ انتهى أمره، بعد أن خسر السند، وضاعت منه الشرعية، وغرقت قيادته في فسادٍ وتواطؤٍ لا حدود له.
قرار مجلس الأمن لم يكن مجرد “قرار جديد”، بل هو منعطف تاريخي أنهى مرحلة وفتح أخرى: مرحلة ما بعد البوليساريو.
لقد بدأ العالم يتعامل مع الصحراء المغربية كـ قضية تنمية واستثمار واستقرار، لا كملف نزاع.
وما تبقى من بيانات الجبهة الانفصالية لن يغير شيئًا، سوى أنه يضيف فصلًا جديدًا في رواية نهايتها.
إنها حقًا رقصة الديك المذبوح… أمام دولةٍ راسخةٍ، ومملكةٍ تعرف إلى أين تمضي.
—
إمضاء: محمد بنهيمة – مديرجريدة أفريقيا بلوس ميديا بالنيابة
© جميع الحقوق محفوظة 2025
قم بكتابة اول تعليق