أفريقيا بلوس ميديا – عمود رأي سياسي تحليلي – هجومي
في لحظة حاسمة من تاريخ هذا الوطن، تكشف الشدائد معدن الناس, هناك من ظل يصرخ، ينتقد، ويقذف الكلام في الهواء كمن يظن أن صوته وحده سيغيّر مجرى التاريخ. ومع ذلك، عند امتحان الحقيقة، ظهر بعض هؤلاء أشدّ المنتقدين رجالًا — ولاد الناس — فرحين بالحدث التاريخي، مدركين أن الوطن يُبنى بالعمل لا بالصراخ، وأن الوطنية ليست مجرد شعارات تُلقى على المنابر.
نعم، هناك من يلدغ هذا الوطن بين الفينة والأخرى، لكن لا يعضّه, هناك من يختلف مع بعض السياسات أو القرارات، لكنه يظل على قلبه غيرة حارة على البلاد. وهذا الفرق بين النقد البنّاء والنقد الذي يتحول إلى أداة لتقويض الوحدة الوطنية.
فكما يقول المثل المغربي القديم: «في الشدائد تظهر معدن الرجال»، ومن لم يُظهِر معدنه بعد، فليصمت، لأنه ببساطة لم يأتِ وقته ليكون رجلًا.
_الوطنية ليست كلامًا جوفاء
لنكن صريحين: الوطنية لا تُقاس بالكلام، ولا تُشتَرَى بالاتهامات الفارغة, هناك من يعتقد أن مجرد صياح أو نشر منشورات هجومية يكفي لإظهار أنه «وطني». الحقيقة قاسية: الوطنية تُقاس بالوفاء للعمل، بالصدق في النية، بالالتزام بالمصلحة العليا للوطن قبل أي اعتبار شخصي, من يلدغ الوطن بلا قصد يُغفر له، ومن يحاول عضّه عمدًا باسم الحرية أو الإصلاح، فهو خائن فكرًا قبل أن يكون فعلاً.
الاختلاف السياسي مشروع، والنقد البنّاء مطلوب، لكن عندما يصبح النقد أداة تهدف إلى ضرب الوحدة، أو خدمة أجندات خارجية، يصبح مجرد غباء مكشوف أمام الجميع.
وما نراه اليوم هو فصل جديد من التاريخ، حيث من يحاول التشكيك والتحريض يُفضح سريعًا أمام الرأي العام.
_من يختبئ خلف شعارات فارغة
هناك من يرفع شعارات الإصلاح والحرية، لكن حين تأتي ساعة العمل الحقيقي يختبئ وراء الشاشة، يفرّ من المسؤولية، أو يهاجم الوطن باسم «حق التعبير». الإصلاح الحقيقي لا يُطلب من الخارج، ولا يُرفع باسم الخوف من السلطة، بل يبدأ من الداخل: مؤسسات قوية، قضاء عادل، سياسات واضحة، ومشاركة حقيقية من كل المواطنين.
من يريد التغيير، فليضع خارطة طريق واضحة، يقترح مشاريع عملية، يقدم حلولًا، لا أن يظل يطلق الاتهامات على الجميع باسم النقد، أو أن يستغل شعارات الوطن لتغطية فشله في العمل. الوطن ليس لعبة، والشعب ليس سهلاً في التمييز بين الصادق والمزيف.
_الفرق بين الخطأ العابر والخيانة الفكرية
هناك فرق شاسع بين من يخطئ بزلة لسان وبين من يحاول عضّ الوطن عمدًا, الأول يُغتفر له إذا ندم واعتذر، والثاني يجب محاسبته فكريًا وإعلاميًا، لأنه لم يعد مجرد منتقد، بل صار تهديدًا للوحدة الوطنية.
بينما البعض يلتهم الهواء بالكلام، هناك رجال ونساء يرفعون شعار العمل لا الجدل، ويحمون الوطن من كل محاولة لتقويضه. هؤلاء هم الذين يضعون مصلحة الوطن فوق أي اعتبار شخصي، وهم من يثبت أن الوطنية ليست مجرد كلمات تُنطق، بل أفعال ملموسة يُحاسَب عليها الجميع.
_الحرية مسؤولة، والوطن لا يُهزم بالكلام
الحرية ليست حائطًا يتسلقه البعض لتوزيع سموم اليأس أو نشر الإحباط. من يختار نشر التشاؤم ويزرع اليأس في نفوس الناس باسم «الانتقاد» يعرف جيدًا أنه يضيع وقته ووقت الآخرين.
الشعب يعرف المعادلة: من يريد أن يخدم الوطن يُمنح المنبر، ومن يحاول الهدم تحت غطاء الوطنية يُفضح عاجلًا أم آجلًا.
الأمر لا يقتصر على الكلام، بل يشمل الفعل أيضًا. كل خطاب هجومي بلا عمل واضح هو ضجيج لن يطول، ولن يغير الحقيقة: الوطن لا يُهزم بالكلام، لكنه يتذكر من يحاول عضّه باسم الحرية أو الإصلاح.
_رجال الإصلاح الحقيقيين لا ينتظرون إشارات
الرجال الحقيقيون لا ينتظرون الضوء الأخضر من الخارج ليتحدثوا، ولا يختبئون خلف شعارات براقة, هم يعملون، يقدمون حلولاً، يطالبون بالإصلاح، ويخوضون التجربة الواقعية، بعيدًا عن كل صياح عديم الجدوى.
هؤلاء هم الذين يحمون الوحدة الوطنية، ويجعلون مصلحة البلاد فوق أي اعتبار شخصي، ويثبتون معدن الرجال في زمن الشدائد.
_الوطن أقوى من أي فوضى كلامية
في نهاية المطاف، هذا البلد أثبت أنه أقوى من أي فوضى كلامية، وأكثر صلابة من أي صرخة بلا عمل.
من يريد أن يخدم الوطن فليثبت ذلك بأفعال واضحة. ومن يريد الهدم، فليعلن نواياه صراحة، لكن لا يحاول ارتداء ثوب الوطنية ليخدع الناس.
الدرس واضح: الفعل هو البراهين، والكلام بلا عمل مجرد ضجيج، والنقد الفارغ لا يبني شيئًا.
الوطن لا يلدغ، لكنه لا ينسى من يحاول عضّه. ومن لم يفهم هذا الدرس، فليصمت، أو ليبحث عن دور حقيقي في البناء، قبل أن تتحول كلماته إلى فضيحة لنفسه قبل أن تكون للوطن أي تأثير.
—
إمضاء: محمد بنهيمة – مديرجريدة أفريقيا بلوس ميديا بالنيابة
© جميع الحقوق محفوظة 2025
قم بكتابة اول تعليق