لم يعد حضور المغرب الأمني والاستخباراتي مجرد مسألة داخلية، بل صار علامة بارزة في المشهد الدولي، بفضل قيادة ثنائية متجانسة يمثلها عبد اللطيف حموشي، المدير العام للأمن الوطني ولمراقبة التراب الوطني، ومحمد ياسين المنصوري، المدير العام للدراسات والمستندات. مجلة «Causeur» الفرنسية ربطت بين الرجلين في تقرير مطول، مؤكدة أن نجاحاتهما المتكاملة هي ما يثير اليوم امتعاض خصوم المغرب، وفي مقدمتهم الجزائر وبعض المنابر الإسبانية.
فحموشي، المعروف بصرامته وانضباطه، حول جهاز الأمن الوطني و«الديستي» إلى نموذج عالمي في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة. بفضل منهجية «صفر تسامح» التي اعتمدها، صار الأمن المغربي يحظى باحترام الشركاء الأوروبيين والأمريكيين، وبرز في عمليات نوعية، كاعتراض سفينة الكوكايين المحملة بثلاثة أطنان في المحيط الأطلسي أو تفكيك خلايا إرهابية عابرة للحدود. هذا النجاح الأمني الداخلي يجد امتداده الطبيعي في العمل الاستخباراتي الخارجي بقيادة المنصوري، الذي استطاع عبر «لادجيد» ترسيخ نفوذ هادئ وفعال في إفريقيا، حيث لعب دورًا حاسمًا في دعم القوات النيجرية للتخلص من زعيم «بوكو حرام» إبراهيم مامادو، وهو إنجاز أمني له أبعاد إقليمية كبرى.
التكامل بين الجهازين ليس وليد الصدفة، بل ثمرة رؤية ملكية استراتيجية أرست قواعد الانسجام بين الأمن الداخلي والاستخبارات الخارجية، ووضعتهما في قلب الدبلوماسية المغربية الحديثة. فبينما يفرض حموشي انضباطًا صارمًا على قواته ويطور باستمرار كفاءاتها الميدانية، ينسج المنصوري شبكة علاقات استخباراتية ودبلوماسية تجعل من المغرب وسيطًا موثوقًا في قضايا معقدة بإفريقيا والساحل. ولهذا، ليس مستغربًا أن تروج بعض المنابر المغرضة شائعات عن «حرب أجهزة» بين الرجلين، بينما الحقيقة على الأرض هي عكس ذلك تمامًا: انسجام وثيق، تعاون مستمر، ونجاحات تثير قلق الخصوم.
إن الحملة الإعلامية الأخيرة، التي قادتها بعض الأقلام الجزائرية ووجدت صدى في صحف إسبانية، ليست سوى انعكاس لعجز خصوم المغرب عن استيعاب معادلة أمنية جديدة، قوامها حموشي والمنصوري معًا، كوجهين لقوة واحدة. قوة تحظى باعتراف الحلفاء قبل الخصوم، وتمنح المغرب موقعًا رياديًا في إفريقيا والمتوسط، وتجعل منه شريكًا لا غنى عنه لأوروبا والولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب والجريمة المنظمة.
ولعل الرسالة الأوضح من كل هذه الحملات هي أن المغرب، بقيادة مؤسساته الأمنية والاستخباراتية، ماضٍ في ترسيخ موقعه كفاعل استراتيجي. فبين صرامة حموشي وهدوء المنصوري، يجد المغرب معادلة التوازن بين الأمن الداخلي والنفوذ الخارجي، معادلة لا يفهمها الخصوم، لكنها بالنسبة للمغاربة عنوان قوة واطمئنان.
قم بكتابة اول تعليق