احتجاجات “جيل زد 212”: بين صرخة الشباب وتقاطعات الأجندات المشبوهة

أفريقيا بلوس ميديا / بقلم: محمد بنهيمة

شهد المغرب خلال يومي 27 و28 شتنبر 2025 موجة من الوقفات الاحتجاجية التي نظمتها مجموعة ناشئة تطلق على نفسها اسم “جيل زد 212”. جاءت هذه المبادرة من رحم النقاشات الرقمية، وانطلقت أساسًا بمطالب اجتماعية مشروعة، في مقدمتها تحسين التعليم العمومي والخدمات الصحية. غير أن هذه الحركات، التي وُلدت في الفضاء الافتراضي، سرعان ما اصطدمت بالواقع الميداني، حيث تحوّلت إلى تجمعات غير مرخصة شهدت تدخلات أمنية أسفرت عن توقيف عشرات الأشخاص، أُفرج عن أغلبهم بعد التحقق من هوياتهم.

ورغم أن الاحتجاجات عبّرت عن جزء من هموم جيل يعاني البطالة والهشاشة، فإنها حملت في طياتها أيضًا إشارات خطيرة لمحاولات الركوب على الغضب الشعبي من قبل أطراف تُعرف تاريخيًا بارتباطها بخطابات التحريض والفتنة. وهنا يطرح السؤال الجوهري: أين ينتهي صوت الإصلاح الحقيقي، وأين تبدأ الأجندات التخريبية؟

*جيل يبحث عن متنفس*

جيل الشباب المغربي، وخصوصًا المنتمين للفئة العمرية بين 18 و25 سنة، يعيش وضعًا معقدًا: نسب بطالة مرتفعة، فرص محدودة، وتحديات متراكمة في التعليم والصحة والسكن. هذا الجيل، الذي وُلد في زمن الرقمنة والانفتاح، يبحث عن فضاءات للتعبير. “جيل زد 212” كان أحد هذه الفضاءات، إذ بدأ كمنصة للنقاش والتبادل حول قضايا تهم المجتمع.

لكن الانتقال السريع من العالم الافتراضي إلى الشارع تم بشكل غير منظم، ما جعل الوقفات تُفقد بريقها المطلبي لتتحول إلى مادة خام في يد من يتقنون توجيه الغضب نحو مسارات أخرى.

*الطوابرية والعدميون: ركوب على الموجة*

سرعان ما دخلت على الخط ما يُعرف في الخطاب الرقمي المغربي بـ”الطوابرية”؛ وهم نشطاء يقتاتون على كل موجة احتجاجية، يضخّمونها عبر مواقع التواصل الاجتماعي ويحوّلونها إلى حملة تحريضية. هؤلاء ليسوا بالضرورة من أبناء “جيل زد 212″، بل من ذوي الخبرة في استغلال الاحتجاجات لإثارة البلبلة.

إلى جانبهم، برز “العدميون” الذين يفتقدون لأي مشروع وطني أو بديل إصلاحي، مكتفين بنشر خطاب الإحباط واللاجدوى. هؤلاء يرون في كل حراك فرصة لتأجيج الصراع مع المؤسسات، حتى لو كان ذلك على حساب مطالب الشباب المشروعة.

*الإعلام الرقمي كوقود للأزمة*

وسائل التواصل الاجتماعي لعبت الدور الأكبر في تضخيم هذه الوقفات. تدوينات وصور وفيديوهات انتشرت بسرعة، بعضها حقيقي وبعضها الآخر مفبرك أو منسوب لسياقات مختلفة. هذا التضخيم الرقمي خلق حالة من “الغضب الافتراضي”، انعكست على الميدان بتوترات محدودة لكنها خطيرة من حيث دلالاتها.

وفي حين أن بعض المحتويات ركّزت على شعارات اجتماعية، فإن جزءًا آخر حمل دعوات صريحة أو مبطنة للتصعيد ضد أجهزة الدولة، مما يُظهر أن ما يجري ليس مجرد حركة مطلبية عفوية بل ساحة تتقاطع فيها أصوات متعددة، بعضها يسعى للإصلاح، وبعضها الآخر لا يرى إلا الفوضى كغاية.

*تحديات أمام الدولة والمجتمع*

ما وقع يضع أمام الدولة والمجتمع تحديين أساسيين:

1. الإنصات للشباب:
الاحتجاجات، رغم كل ما شابها، تظل مؤشرًا على عطش حقيقي لدى الجيل الجديد للمشاركة في صياغة مستقبل البلاد. معالجة المطالب في التعليم والصحة والتشغيل ضرورة ملحة لإعادة الثقة بين المؤسسات والشباب.

2. التصدي للتحريض:
بالتوازي، يجب الحزم مع كل محاولة لتسييس غضب الشارع وتحويله إلى فتنة. محاربة الأخبار الزائفة، وتعزيز حضور الإعلام الوطني المسؤول، وتوضيح الحقائق للرأي العام، عوامل أساسية لحماية الاستقرار.

*الدروس المستخلصة*

الحركات الشبابية الرقمية قد تنطلق بنوايا صافية لكنها عرضة للاختراق السريع.

الأطراف الراديكالية، سواء من الداخل أو الخارج، تبحث دائمًا عن ثغرات لزرع خطاب الفوضى.

الدولة مطالَبة بالموازنة بين حماية الأمن العام وفتح قنوات حوار فعّالة مع الشباب.

المجتمع المدني والإعلام عليهما دور أساسي في توجيه الطاقات الشبابية نحو مسارات بنّاءة.

*خاتمة*

إن “جيل زد 212” ليس عدوًا ولا خطرًا بذاته، بل مرآة تعكس قلق جيل بأكمله يطالب بالكرامة والعدالة الاجتماعية. الخطر يكمن في ترك هذا الغضب عرضة للاستغلال من قبل الطوابرية والعدميين وأصحاب الأجندات المريبة.

من هنا، يصبح الرهان الأكبر هو تمكين الشباب من التعبير المسؤول داخل فضاءات شرعية ومنظمة، مع العمل على إصلاحات ملموسة تعزز الثقة. المغرب بحاجة إلى أن يوحّد طاقات شبابه بدل أن يتركها وقودًا لفتنة عابرة. فالوطن لا يُبنى بالصراخ في الشارع وحده، ولا بالصمت المطبق، بل بالحوار، والعمل، والإصلاح.

✍️ إمضاء: مدير الموقع بالنيابة_ محمد بنهيمة

قم بكتابة اول تعليق

أترك لنا تعليق

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*