“جنسية بالخطأ” تفضح ثغرات العدالة: حين يُمنح الانتماء للوطن بقرار متسرّع من قاضٍ “لم يتحرَّ”!

أفريقيا بلوس ميديا / بقلم: محمد بنهيمة

*حين تصبح الجنسية المغربية ضحية التسرّع القضائي…و“منح الانتماء للوطن بخطأ إداري… فضيحة تهز ثقة المغاربة في العدالة*

مقدمة:

—القضية التي دوّت في أروقة القضاء… كيف مُنحت الجنسية المغربية لطفلة أجنبية؟

في واقعة تهزّ ثقة الرأي العام في دقّة الأجهزة القضائية، قرّر المجلس الأعلى للسلطة القضائية توقيع عقوبة التوبيخ في حق نائب وكيل للملك، بعد ارتكابه ما اعتُبر خطأ مهنياً فادحاً تمثل في منح شهادة الجنسية المغربية لطفلة أجنبية دون التأكد من الوثائق.
القضية تبدو في ظاهرها بسيطة، لكنها في عمقها تكشف خللاً مقلقاً في نظام التحري والتثبت القضائي داخل المحاكم المغربية، وتطرح أسئلة محرجة عن مدى صرامة الرقابة الداخلية في مرفق العدالة.

—“خطأ إداري” أم “تهاون قضائي”؟

التحقيق الذي باشرته المفتشية العامة للشؤون القضائية كشف أن نائب وكيل الملك استند فقط إلى عقد ازدياد أخضر اللون يحمل نفس شكل الوثائق المغربية، فاعتقد أن الطفلة “مغربية”.
لكن الحقيقة أن الطفلة من أبوين أجنبيين، وأن الوثيقة كانت صادرة عن جهة محلية بطريقة مضلّلة.
القاضي – وفق ما ورد في محضر المجلس الأعلى – لم يتريث، ولم يطلب توضيحات إضافية، بل أصدر شهادة الجنسية في ظرف يوم واحد، في قرار يعكس تسرّعاً خطيراً في عمل يفترض أن يكون سيادياً ودقيقاً.

—شهادة الجنسية ليست ورقة… إنها قرار سيادي يوازي منح “الهوية الوطنية”

القانون المغربي واضح: شهادة الجنسية تُمنح وفق ظهير 6 شتنبر 1958، وتخضع لتحرٍّ دقيق حول النسب، الأصل، والإقامة.
لكن في هذه القضية، بدا أن التساهل الإداري طغى على المبدأ القضائي، وهو ما جعل المجلس الأعلى يؤكد أن “التحقق واجب حتى في غياب سوء النية”، لأن الإهمال في هذا النوع من الملفات يمسّ السيادة نفسها.

مصدر قضائي تحدث لـ “أفريقيا بلوس ميديا” قائلاً:

> “القاضي عندما يوقّع شهادة الجنسية، فهو يوقّع على هوية شخص أمام الدولة، وليس على ورقة روتينية… الخطأ هنا ليس في سوء النية، بل في غياب الحس السيادي في ممارسة الوظيفة القضائية.”

—من داخل كواليس العدالة… أين الرقابة المسبقة؟

التحقيق الاستقصائي يكشف أن نائب وكيل الملك لم يكن الحالة الوحيدة التي خضعت للمساءلة بسبب تسرّع في القرارات ذات الطبيعة السيادية.
فخلال السنوات الأخيرة، تم تسجيل عدة حالات منح وثائق أو تراخيص بناء على وثائق ناقصة أو غير مدققة، لكن قلةٌ فقط من هذه الأخطاء تصل إلى العلن.

مصدر آخر داخل الجهاز القضائي صرّح لموقعنا – مفضلاً عدم الكشف عن هويته – قائلاً:

> “هناك ثقافة سائدة داخل بعض المحاكم تقوم على الثقة العمياء في الوثائق الإدارية، دون العودة إلى المصالح الأصلية للتحقق. وهذه الثغرة هي التي تسمح بتمرير أخطاء خطيرة كهذه.”

—المجلس الأعلى يضرب بيد من حديد: “لا مكان للتهاون في السيادة”

المجلس الأعلى للسلطة القضائية، في قراره النهائي، اعتبر الواقعة إخلالاً مادياً بواجب التثبت، وأكد أن شهادة الجنسية وثيقة سيادية لا تُمنح إلا بعد استكمال جميع الشروط القانونية.
القرار جاء بمثابة تحذير صريح لكل القضاة ووكلاء الملك:

> “التهاون في أداء الواجب، ولو دون قصد، إخلالٌ بثقة المجتمع في العدالة.”

—هل تكشف هذه الحادثة أزمة أعمق داخل المنظومة القضائية؟

منح جنسية لطفلة أجنبية لم يكن مجرد “زلّة فردية”، بل مرآة لخلل أعمق يضرب المنظومة القضائية من الداخل، حيث يهيمن منطق السرعة والروتين الإداري على حساب ثقافة التمحيص والمسؤولية.
الأسئلة المطروحة اليوم لا تتعلق فقط بالقاضي المعاقَب، بل بـ:

هل هناك آليات وقائية داخل المحاكم لتفادي مثل هذه الأخطاء؟

ولماذا تغيب الرقابة المسبقة على قرارات منح الجنسية؟

وهل يتم تكوين القضاة الجدد بشكل كافٍ في الملفات ذات الطابع السيادي؟

—ما بعد القرار… هل يفتح الباب لمراجعة مسطرة الجنسية؟

القضية اليوم قد تكون جرس إنذار حقيقي لإعادة النظر في مسطرة منح الجنسية المغربية، وتحديثها بآليات رقمية للتدقيق الفوري في أصول الملفات، لتفادي تكرار مثل هذه الأخطاء.
فـ الهوية الوطنية ليست ورقة تُمنح بناء على انطباع، بل التزام قانوني وأخلاقي أمام الوطن.

—خاتمة: العدالة تُطهّر ذاتها… ولكن بثمن

رغم صرامة القرار، إلا أن الرسالة وصلت:
أن المجلس الأعلى لا يتهاون في حماية قدسية العمل القضائي، وأن منح الجنسية بالخطأ هو تجاوز لرمز السيادة لا يُغتفر.
لكن يبقى السؤال المفتوح:

> “كم من ملف مرّ بصمت دون أن يُكتشف؟ وكم من ‘تهاون صغير’ قد يصبح ذات يوم ثغرة في جدار الوطن؟”

✍️ إمضاء: محمد بنهيمة – مدير موقع “أفريقيا بلوس ميديا” بالنيابة

قم بكتابة اول تعليق

أترك لنا تعليق

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*