محمد بنهيمة – مدير موقع أفريقيا بلوس ميديا بالنيابة
*مواطنون يختارون النقل الذكي لسرعته وشفافيته، وسائقو الأجرة يحذرون من فوضى رقمية تهدد المهنة في غياب قانون واضح*
المقال:
يشهد قطاع النقل الحضري في المغرب تحوّلًا جذريًا يعكس التحوّلات الاجتماعية والتكنولوجية التي يعيشها العالم بأسره.
فقد أصبحت سيارات النقل عبر التطبيقات الذكية — مثل “إنوي موف” و“هيتش” و”يونكو برو” و“كريم” وغيرها — جزءًا من المشهد الحضري في المدن الكبرى، من الدار البيضاء إلى الرباط ومراكش وطنجة، لتطرح نقاشًا وطنيًا ساخنًا حول مستقبل المهنة، وحدود التنظيم، ومفهوم المنافسة العادلة في زمن الرقمنة.
—راحة وسرعة وشفافية… المواطن يختار التطبيق
لم يعد المواطن المغربي في حاجة إلى رفع يده وسط الزحام أو انتظار سيارة أجرة لا تتوقف له.
بضغطة زر على الهاتف، يمكنه تحديد وجهته، ومعرفة السعر مسبقًا، وتتبع مسار السيارة في الوقت الحقيقي.
هذه البساطة جعلت من النقل عبر التطبيقات خيارًا مفضّلًا لدى شريحة واسعة من الشباب والموظفين والطلبة وحتى السياح.
يقول سفيان العزاوي، طالب جامعي بالدار البيضاء:
> “منذ بدأت أستعمل التطبيق، لم أعد أتعرض للمشاكل التي كنت أواجهها مع بعض سائقي الأجرة، مثل رفض الوجهة أو تغيير الثمن في آخر لحظة. كل شيء واضح ومريح.”
أما أمينة بوشعيب، موظفة في القطاع الخاص، فتضيف:
> “أفضل التطبيقات لأنني أشعر بالأمان، خصوصًا في الليل، وأستطيع إرسال رابط الرحلة إلى عائلتي. السائقون محترمون، والسيارات نظيفة، والسعر ثابت.”
هذه التجربة الجديدة غيّرت سلوك التنقل لدى فئات واسعة من المواطنين، وجعلت من “الرقمنة في النقل” رمزًا للحداثة، ومطلبًا لتطوير الخدمات العمومية بما يواكب العصر.
—احتقان مهني وتخوّف من “الانقراض”
في المقابل، يعيش سائقو سيارات الأجرة التقليديون حالة من الغليان.
فالكثير منهم يرى أن التطبيقات سلبت منهم رزقهم اليومي دون أن تلتزم بنفس الشروط القانونية والمهنية التي تُفرض عليهم.
فالسائق المهني مطالب بالحصول على رخصة الثقة، والاشتغال في نطاق محدد، وتوفير تأمين خاص، بينما يشتغل سائق التطبيق في كثير من الأحيان بحرية مطلقة.
يقول عبد القادر بن المكي، سائق طاكسي صغير بمدينة مراكش:
> “نحن لا نعارض التطور، لكن نريد المنافسة العادلة.
لا يُعقل أن نؤدي ضرائب وتأمينات ورخصًا باهظة، بينما يعمل سائق التطبيق دون ترخيص أو مراقبة.”
ويضيف آخر من الدار البيضاء:
> “التطبيقات تشتغل خارج القانون.
اليوم يشتغلون بحرية، وغدًا قد تقع حوادث أو عمليات نصب، فمن يتحمّل المسؤولية؟”
—بين الانفتاح والفراغ القانوني
حقيقة الأمر أن النقل عبر التطبيقات في المغرب يعيش وضعًا رماديًا: لا هو مرخّص رسميًا، ولا هو ممنوع بشكل صريح.
هذا الفراغ القانوني جعل السلطات المحلية بين المطرقة والسندان: من جهة، لا يمكنها تجاهل التحديث الرقمي وطلبات المواطنين، ومن جهة أخرى، لا يمكنها السماح بممارسة مهنة النقل دون تقنين واضح.
ويرى عدد من المراقبين أن الحل يكمن في سنّ قانون خاص بالنقل التكنولوجي، يحدّد بوضوح شروط الاشتغال، ويضمن تكافؤ الفرص بين جميع الفاعلين. فبدل المنع والمطاردات، المطلوب هو إدماج هذا النمط ضمن منظومة النقل الحضري، مع إلزام الشركات بالتأمين والتتبع وتكوين السائقين وربط بياناتهم بالسلطات المختصة.
—دروس من التجارب الدولية
في دول مثل فرنسا وإسبانيا والإمارات، لم يُمنع النقل عبر التطبيقات بل تم تقنينه.
فُرضت تراخيص خاصة، وتكوينات إلزامية للسائقين، وتأمين شامل للركاب، وربط إلكتروني مع السلطات.
النتيجة: قطاع حديث ومنظّم يساهم في التشغيل وفي تحسين صورة المدن أمام السياح.
وفي المغرب، يُتوقع أن يكون هذا التقنين فرصة كبيرة لخلق مناصب شغل جديدة وتوسيع قاعدة الاقتصاد الرقمي، خصوصًا في ظل توجّه الدولة نحو “التحوّل الرقمي الشامل” و“المدن الذكية”.
—التطبيقات… شريان جديد للتشغيل
لا يمكن إنكار أن آلاف الشباب المغاربة وجدوا في هذه التطبيقات فرصة للهروب من البطالة.
فبعضهم استثمر سيارته الخاصة، وآخرون انضموا إلى أسطول النقل الرقمي كمصدر رزق كريم. غير أن غياب إطار قانوني واضح يجعلهم في منطقة الخطر، معرّضين للعقوبات القانونية أو للعنف المهني من بعض السائقين الغاضبين.
من هنا، تبرز الحاجة إلى مقاربة حكومية متوازنة تنظم القطاع بدل قمعه، وتُدخل هذه الفئة ضمن الاقتصاد الرسمي عبر التأطير والتكوين والضرائب العادلة.
—بين الماضي والمستقبل… المواطن هو الحكم
في نهاية المطاف، النقاش حول النقل عبر التطبيقات ليس صراعًا بين القديم والجديد، بل هو امتحان لقدرة المغرب على التوفيق بين التطور التكنولوجي والحفاظ على النظام المهني.
فكما لا يمكن إيقاف موجة الرقمنة، لا يمكن تركها تبتلع القواعد.
ما يحتاجه المغرب اليوم هو نموذج وسطي:
ينفتح على الحداثة دون التفريط في السلامة،
ينصف المهنيين دون إقصاء المبتكرين،
ويضع مصلحة المواطن فوق كل اعتبار.
فالتكنولوجيا ليست عدوًا، بل أداة، وما يحدّد قيمتها هو طريقة استعمالها وتنظيمها.
وعندما تُعتمد رؤية إصلاحية عادلة، فإن النقل عبر التطبيقات لن يكون تهديدًا، بل رافعة حقيقية لتحديث المدن وتطوير الاقتصاد الوطني.
بقلم: محمد بنهيمة – مدير موقع أفريقيا بلوس ميديا بالنيابة
قم بكتابة اول تعليق