_مراكش —
بقلم: هيئة التحرير | قسم التحقيق – خاص بـ«أفريقيا بلوس ميديا»
_المقدمة:
بين ردهات الإدارات وأروقة السلطة، تدور قصة قطعة أرض في مراكش تحوّلت من مجرد ملكٍ عائلي إلى ملفٍ يثير نقاشًا ساخنًا حول الشفافية، وتضارب المصالح، وحدود السلطة في المغرب المعاصر.
إنها قصة “أرض فاطمة الزهراء المنصوري”، الوزيرة والعمدة والقيادية البارزة في حزب الأصالة والمعاصرة، التي وجدت نفسها وسط عاصفةٍ من الأسئلة حول مشروعٍ سكني فاخر على أرضها الخاصة.
_من رفضٍ قاطع إلى ترخيصٍ مفاجئ
تعود فصول الحكاية إلى ما قبل سنة 2021، حين كانت المنصوري عمدةً لمراكش فقط، ومالكةً لأرضٍ فلاحية واسعة بمنطقة تسلطانت تمتد على نحو 66 هكتارًا.
في تلك الفترة، تقدّمت — حسب ما تؤكده مصادر متطابقة — بمشروعٍ لتحويل الأرض إلى مجمّعٍ سكني راقٍ يضمّ ڤيلاتٍ فاخرة. غير أن الوكالة الحضرية لمراكش رفضت المشروع آنذاك، بحجة أن الأرض تقع ضمن نطاقٍ فلاحي لا يسمح بالبناء.
لكن المشهد تغيّر جذريًا بعد الانتخابات التشريعية لسنة 2021، حين تسلّمت فاطمة الزهراء المنصوري وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، وهي الجهة الوصية مباشرةً على الوكالات الحضرية في المغرب.
في أقل من سنتين، وتحديدًا في أبريل 2023، تم تعيين مدير جديد للوكالة الحضرية بمراكش خلفًا للمدير السابق الذي كان يرفض المشروع. بعد هذا التغيير، صار المشروع ممكنًا، وتحوّلت الأرض الفلاحية إلى وعاءٍ عقاري قابلٍ للبناء.
يقول مصدرٌ قريب من الملف:
“التحوّل لم يكن تقنيًا، بل سياسيًا، لأن ما رُفض بالأمس لأسباب قانونية صار مقبولًا بعد وصول المنصوري إلى الوزارة. هذا ما يجعلنا نتحدث عن تضارب مصالح واضح.”
__الوزيرة ترد: “الأرض موروثة وكل شيء قانوني”
في مواجهة سيل الانتقادات والتدوينات الغاضبة على مواقع التواصل، خرجت الوزيرة بتوضيحات رسمية تؤكد فيها أن الأرض ملكٌ عائلي موروث من والدها منذ سنة 1978، وأن الوثائق القانونية وتصاميم التهيئة التي تسمح بالبناء وُضعت منذ سنة 2017، أي قبل تولّيها أي منصبٍ حكومي.
وأضافت المنصوري أن “الحملة المغرضة” — على حدّ تعبيرها — تستهدفها سياسيًا، وأنها صرّحت بجميع ممتلكاتها لدى المجلس الأعلى للحسابات منذ سنة 2009، احترامًا لمقتضيات الشفافية.
لكن منتقديها لا يرون في هذه التبريرات نهايةً للجدل. فالسؤال الذي يطرحه كثيرون اليوم هو:
لماذا لم يُقبل المشروع قبل سنة 2021 إذا كانت كل الوثائق جاهزة؟
وهل كان تغيير مدير الوكالة الحضرية مجرد صدفةٍ إدارية، أم قرارًا استراتيجيًا سُخّر لتمرير مشروعٍ خاص؟
__تضارب المصالح… المنطقة الرمادية في الإدارة المغربية
القانون المغربي لا يمنع المسؤولين من امتلاك عقاراتٍ أو استثمارات، لكنه يضع خطوطًا حمراء حين يتعلق الأمر بالقرارات التي تمسّ مصالحهم الشخصية.
فبحسب خبراء في الحكامة الجيدة، كل مسؤول يملك نفوذًا على الإدارة التي تتخذ القرار بخصوص ممتلكاته يُعتبر في وضع “تضارب مصالح”، حتى وإن لم يُثبت وجود تدخلٍ مباشر.
يقول أستاذٌ في القانون الإداري بجامعة القاضي عياض بمراكش:
“الخطير ليس فقط في خرق القانون، بل في غياب الآليات التي تضمن المسافة بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة. فحين يصبح صاحب القرار طرفًا في القضية، تُصبح الثقة في المؤسسات على المحك.”
_احتقان شعبي وصوت جيلٍ غاضب
انتشرت القصة بسرعة على شبكات التواصل، حيث عبّر شبابٌ مغاربة عن غضبهم مما وصفوه بـ”ازدواجية المعايير” في تطبيق القوانين.
في تعليقاتٍ عديدة، كتب ناشطون أن “القوانين في المغرب تُطبَّق على الضعفاء فقط”، وأن “النافذين يجدون دائمًا مخرجًا قانونيًا لتبرير امتيازاتهم”.
أحد شباب “جيل زد” كتب على تويتر:
“كيف نطلب من المواطن البسيط احترام قانون التعمير، بينما من يشرّع القانون نفسه يُحوّل أرضه من فلاحية إلى مشروع ڤيلات؟”
هذا الغضب ليس مجرّد انفعال لحظة، بل هو — كما يقول مراقبون — تعبيرٌ عن أزمة ثقةٍ عميقة بين الشباب والدولة، خصوصًا حين تتكرر قصصٌ تتقاطع فيها المصالح الشخصية مع المناصب العمومية.
_ما بين القانون والأخلاق السياسية
حتى وإن ثبت أن جميع الإجراءات تمت في إطار القانون، فإن الأخلاق السياسية تظلّ المعيار الأهم في نظر الرأي العام.
فالمغاربة اليوم لم يعودوا يقيسون النزاهة فقط بمدى احترام النصوص القانونية، بل بمدى التزام المسؤولين بروح العدالة والمساواة.
قصة “أرض المنصوري” ليست مجرد نزاعٍ عمراني، بل مرآة تعكس علاقة السلطة بالثروة في المغرب، وتطرح سؤالًا صريحًا:
هل يمكن للإصلاح أن ينجح في ظل استمرار الامتيازات الشخصية في قلب مؤسسات الدولة؟
_حين يُختبر مبدأ المساواة أمام القانون
القضية اليوم تتجاوز شخص فاطمة الزهراء المنصوري، لتصبح اختبارًا حقيقيًا لمدى قدرة الدولة على ترسيخ مبدأ المساواة أمام القانون.
فإمّا أن تُفتح تحقيقاتٌ شفافة تُبدّد الشكوك، أو يظل الملف عنوانًا جديدًا لانعدام الثقة.
الرسالة التي يرددها الشارع المغربي بوضوح:
العدالة لا تُقاس بالأسماء، بل بالمواقف.
وما لم يشعر المواطن بأن القانون يُطبَّق على الجميع، فإن أي حديثٍ عن الإصلاح سيبقى مجرّد شعاراتٍ في الهواء…..حق الرد مكفول
إمضاء: محمد بنهيمة – مدير موقع «أفريقيا بلوس ميديا» بالنيابة
المراجع والمصادر الصحفية:
Media90.ma – تقرير بعنوان «قصة أرض فاطمة الزهراء المنصوري بتسلطانت.. من الرفض إلى الترخيص بعد تغيير مدير الوكالة الحضرية»، أبريل 2024.
Ihata.ma – مقال: «المنصوري توضّح حقيقة الجدل حول أرضها بمراكش وتؤكد قانونية المشروع»، يوليوز 2024.
Canal13.ma – تصريح رسمي لفاطمة الزهراء المنصوري بعنوان «المنصوري تدين الحملة المغرضة ضدها وتوضح تفاصيل الأرض العائلية»، ماي 2024.
Le360.ma (النسخة العربية) – مقال سياسي بعنوان «المنصوري تكشف عن تصريحات ممتلكاتها منذ 2009 وترد على الاتهامات»، يونيو 2024.
Reddit Morocco Forum – نقاش مجتمعي موسّع حول «تضارب المصالح في مشروع تسلطانت»، أكتوبر 2024.
قم بكتابة اول تعليق