حين يفقد الإعلام بوصلته… وتتحول “الجرائد الفاشلة” إلى مصانع تفاهة

بقلم: ✍️ محمد بنهيمة – مدير موقع أفريقيا بلوس ميديا بالنيابة

“جرائد فاشلة وبلا ضمير تصطاد في ماء العكر.. حين تتحوّل التفاهة إلى مهنة والإساءة إلى المغرب. وتبيع الوطن بالمشاهدات!” 

*هاد الجرائد يشهوا صورة المغرب لكي يستغلها أعداء الوطن،
لأن من يشوّه بلده إعلاميًا، يمنح خصومه سلاحًا مجانيًا لتلطيخ صورته خارج الحدود، ويخون الرسالة الحقيقية للصحافة الوطنية*

_مقدمة:

كما قال جلالة الملك: “الإعلام فقد بوصلته، وتحوّل إلى أداة تلميع أو دعاية، ناسيًا أن مهمته الأولى هي نقل صوت الناس، لا ترديد صدى المعلنين أو المتنفذين.”

الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان 2025 كان جرس إنذار أخلاقي ومهني… لكن هل من يسمع؟

في زمنٍ تُقاس فيه القيمة بعدد المتابعين لا بوزن الكلمة، برزت جرائد إلكترونية فاشلة، غارقة في الاصطياد بماء العكر، جعلت من الحمقى والسفهاء “نجومًا”، ومن التفاهة مادةً يوميةً للترفيه الرخيص.

جرائد تحوّلت إلى مرآة مكسورة لواقع إعلامي مهترئ، حيث تغيب الرسالة وتحضر المصلحة، وحيث تُستبدل الحقيقة بـ“الترند”، والمهنية بـ“المشاهدات”.

—جلالة الملك قالها بوضوح… لكن “بعض الإعلام” لم يفهم الرسالة!

الخطاب الملكي الأخير لم يكن عابرًا، بل جاء ليُعيد ترتيب العلاقة بين الإعلام والضمير الوطني.

حين يقول الملك إن الإعلام فقد بوصلته، فالمقصود ليس فقط أخطاء مهنية، بل خلل في المنهج، في الأخلاق، وفي الغاية. لقد صار بعض منابرنا – مع الأسف – يتغذّى من الفضائح، ويعتاش من الفتنة، يلهث وراء ما يثير الجدل لا ما يخدم المصلحة العامة، وينشر التفاهة ويُهمل القضايا الحقيقية للمواطن: البطالة، التعليم، الفقر، والكرامة.

—من الجرائد إلى السيرك الإلكتروني

ما نراه اليوم ليس إعلامًا، بل عرضًا مفتوحًا للسخافة. تحوّلت بعض المواقع إلى مسرحٍ كبير، يعتليه مهرّجون يصرخون، يفتعلون الخلافات، يتاجرون بأوجاع الناس، ويبيعون سمومهم في قوالب من “المحتوى الشعبي”.

والمفارقة أن أرقام المتابعة تتجاوز المليون! لكن أيّ جمهور هذا؟ جمهور جائع للضحك الرخيص، متعطّش للفضيحة، يصفّق للحمقى ويُدير ظهره للعقلاء. إنها ثقافة الانحدار الجماعي التي يُغذّيها إعلام بلا مسؤولية، ويُكرّسها موقعٌ لا يعرف سوى العناوين الصادمة والوجوه المستفزّة.

—المال يُفسد الرسالة

حين تُصبح الكلمة تُشترى بالإعلان، وتُباع بالترند، تسقط الصحافة من عليائها. ما جدوى أن تكون لجرائد مليون متابع، إذا كانت تبيع الوهم، وتُكرّس الجهل، وتُروّج للتفاهة؟ المال السهل لا يصنع إعلامًا، بل يصنع “دكاكين رقمية” تشتغل حسب الطلب، تلمّع هذا وتُهاجم ذاك، وفق من يدفع أكثر. وهكذا، تحوّل “الخبر” من خدمة عمومية إلى سلعة مشبوهة.

—من يصنع الشهرة… يصنع الخراب

حين ترفع جرائد فاشلة شخصًا تافهًا إلى مقام “النجم”، فإنها تقتل رمزيًا كل عقل مفكّر وكل موهبة حقيقية.

هؤلاء الذين صاروا مشاهير بالفضيحة لا يقدّمون شيئًا للمجتمع، بل يُخرّبون الذوق العام، ويُشكّلون جيلًا يعتقد أن الطريق إلى النجاح يمرّ عبر الصراخ لا الإبداع. وهنا مكمن الخطر: نحن نصنع جيلاً يُقلّد السفَهاء بدل أن يُنافس العلماء.

—لا يجب أن تُشوه صورة المغرب — وهنا كلمة واضحة وخاطفة

ماخصّش هاد الجرائد يشهوا صورة المغرب لكي يستغلها أعداء الوطن.

هذه ليست مبالغة بل تحذير: عندما تبثّ منابر التفاهة صورًا نمطيّةً مشوّهة عن مجتمعنا، فإنها تزوّد من يريد الشر بحججٍ جاهزة، وتُسهّل عليهم استخدام بلادنا ساحةً للسخرية والتضليل.

حماية صورة المغرب مسؤولية وطنية، والإعلام أول من يُسأل عن أي تشويهٍ يحدث على الصعيد الدولي أو الداخلي.

—عودة البوصلة… هي بداية الإصلاح

الرسالة الملكية واضحة:

> “الإعلام صوت الناس، لا بوق الإعلانات.”
هذه ليست عبارة بل خريطة طريق.

إنقاذ الإعلام يبدأ من العودة إلى المبدأ الأول: الصدق والضمير.

لا بدّ من تطهير الفضاء الرقمي من السماسرة والمهرّجين الذين يلوّثون الوعي، ولا بد من دعم الإعلام الجاد، الذي يشتغل في الميدان لا خلف الشاشات الوهمية.

—الخلاصة

الإعلام ليس ترفًا، بل ركيزة من ركائز بناء الدولة الحديثة.

وإذا كان بعض المنابر قد اختار الاصطياد في ماء العكر، فالتاريخ لن يرحمه، والجمهور الواعي بدأ يميّز بين الصوت الحقيقي والضجيج الفارغ.

المغربي الذي يفتخر بوطنه لا يقبل أن تُسوَّق صورته للبيع، ولا يرضى أن تُستغل نجوميّة التفاهة لجر بلده إلى السخرية الدولية.

الكلمة الصادقة — ولو بلا مليون متابع — أقوى من كل جريدة فاشلة بنت شهرتها على التفاهة، ومن الأقدر على حماية اسم المغرب وكرامته.

✍️ إمضاء: محمد بنهيمة – مدير موقع أفريقيا بلوس ميديا بالنيابة

قم بكتابة اول تعليق

أترك لنا تعليق

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*