قضايا مهنية وإعلامية / أخلاقيات الصحافة / فضائح تنظيمية
وسط غضب مهني غير مسبوق، انفجرت عاصفة جديدة داخل الجسم الإعلامي بالمغرب بعد تسريب فيديو يُظهر إخلالًا خطيرًا بمسؤولية التنظيم الذاتي للمهنة، في لحظة يُفترض فيها أن تكون النزاهة هي السقف الذي لا يُسمح لأحد بتجاوزه، الفيديو لم يكن مجرد “سلوك فردي”، كما يحاول البعض تبسيطه، بل صفعة مباشرة لمصداقية المهنة برمّتها، وإهانة لكل صحافي يشتغل بشرف، ويخوض معركة يومية ضد التفرّغ المتصاعد لتشويه الصحافة وتشليحها من دورها الدستوري.
في هذا السياق، خرجت الكونفدرالية المغربية لناشري الصحف والإعلام الإلكتروني ببيان للرأي العام، مؤكدة أن ما وقع ليس حادثًا عابرًا ولا سوء فهم، بل هو مؤشر مُقلق على تهاون خطير يمسّ المبادئ التي تنظّم المهنة، ويهدد بتشويه صورة ناشري الصحف والصحافيين المنضبطين، الكونفدرالية شددت على أن صيانة كرامة المهنة ليست مجرد شعارات تُرفع في المؤتمرات، بل مسؤولية أخلاقية وقانونية لا تقبل العبث، وأن أي خرق لها يُعدّ اعتداءً على حق المجتمع في إعلام نزيه ومسؤول.
لكن الأسئلة التي تُوجّه اليوم للرأي العام ليست فقط حول مضمون الفيديو، بل حول ما هو أخطر بكثير: من يعبث بالضوابط المهنية؟ من يعتقد أن التنظيم الذاتي مجرد “ديكور” يُستعمل وقت الحاجة؟ ومن يستفيد من تحويل الصحافة إلى حلبة فوضى؟
إن استمرار مثل هذه السلوكيات دون محاسبة حقيقية يعني شيئًا واحدًا: أن هناك من يراهن على ترك المهنة بلا هيبة، وبلا خطوط حمراء، وبلا مؤسسات تحمي شرفها.
لقد آن الأوان لإعادة ترتيب البيت من الداخل. آن الأوان لوقف سياسة “الغضّ الطرف” التي جعلت البعض يتصرف وكأن الصحافة حق خاص وليس مسؤولية عمومية. وآن الأوان ليفهم كل من يسيء للمهنة أن زمن الفوضى المهنية لن يدوم، وأن الرأي العام لم يعد يقبل أن تُدار الأخطاء بالتبريرات الواهية أو بمحاولات الالتفاف على الحقيقة.
الكونفدرالية المغربية لناشري الصحف والإعلام الإلكتروني، في موقفها الأخير، لم تصدر بيانًا عاديًا. بل وضعت، بجرأة محسوبة، إصبعها على الجرح الذي يرفض كثيرون الاعتراف به: أن أكبر تهديد للصحافة اليوم لا يأتي من الخارج… بل من الداخل.
إن الدفاع عن صورة هذه المهنة يبدأ من مواجهة هذه التجاوزات بصراحة، وبخطوات جريئة، وبقرارات لا تحابي ولا تجامل، لأن ما هو على المحكّ ليس مجرد “حادث”، بل الثقة العامة في الإعلام الوطني — وهي أهم رأسمال يمكن أن نخسره إذا استمرت الفوضى بلا ردع.
الرأي العام ينتظر الإجابات. ينتظر الإجراء قبل التبرير. ينتظر أن تكون المؤسسات المهنية في مستوى اللحظة.
لأن السؤال الأخطر الذي لم يُجب عنه أحد بعد هو: إذا لم يتم ردع مثل هذه الخروقات اليوم… فماذا سيبقى من الصحافة غدًا؟
قم بكتابة اول تعليق