الدرك الملكي بين نار الاتهامات وحقيقة الميدان… أين تنتهي المحاسبة وتبدأ الفوضى؟

✍️بقلم: هيئة التحرير_جريدة أفريقيا بلوس ميديا

“مقال رأي تحليلي بصياغة رسمية ورصينة، يندرج ضمن فئة الأمن والشأن العام، موجّه للرأي العام والمهتمين بالمجال الأمني والقضائي، ويهدف إلى توضيح السياق، وتفكيك الحملات غير الموثقة، وتعزيز مبدأ سيادة القانون والثقة في المؤسسات”

تتعالى في الفترات الأخيرة أصوات متعددة تنتقد جهاز الدرك الملكي، أحياناً بدافع الإصلاح وتجويد الأداء، وأحياناً أخرى – وللأسف – بدوافع شخصية أو حسابات ضيقة تُقحم مؤسسة وطنية حساسة في سجالات بعيدة عن الحقيقة، وبين النقد البنّاء الذي يهدف إلى معالجة الاختلالات، وبين الحملات التي تُستغل لتصفية الحسابات أو خلق رأي عام مضلل، يجب أن يكون الحدّ الفاصل واضحاً، فالدرك الملكي مؤسسة لها هياكلها ومسؤولوها ومنظومة صارمة للمراقبة والمحاسبة، ولا تترك مجالاً للشك حين يتعلق الأمر بتصحيح التجاوزات أو معاقبة كل من يثبت تورطه في سلوك مخالف للقانون.

لقد عرف المغاربة، عبر عقود، أن هذا الجهاز يضم رجالاً من خيرة أبناء الوطن، لا يترددون في التضحية بوقتهم وراحتهم، بل وحتى بحياتهم، من أجل حماية الأرواح، وتأمين الطرقات، وحراسة الحدود، ومحاربة الجريمة، بعض أعمالهم تُرى بشكل يومي في الميدان، وبعضها الآخر يُنجَز بصمت من أجل حماية الأمن والاستقرار، وغالباً بثمن كبير لا يشعر به إلا من يشتغلون في الصفوف الأمامية.

ومع ذلك، تطفو بين الحين والآخر حالات فردية تثير الجدل، كما حدث مؤخراً في الجنوب الشرقي، حين انتشرت عبر وسائط التواصل شكايات وتصريحات لسائقي شاحنات يتهمون أحد عناصر الدرك بطلب “مقابل” غير قانوني، في مثل هذه الوقائع، يبقى المبدأ واضحاً: إذا توفرت أدلة حقيقية موثقة، فإن التحقيق يجب أن يكون صارماً وشفافاً، وأن يُحاسَب كل من يثبت تجاوزه، وقد أظهرت القيادة العليا للدرك الملكي، بقيادة الجنرال دوكور دارمي محمد حرمو، أن ربط المسؤولية بالمحاسبة ليس شعاراً عابراً، بل قاعدة تُطبّق بلا تردد داخل المؤسسة.

لكن في المقابل، حين تتحول الاتهامات إلى تسجيلات غير مكتملة، أو أقوال غير موثقة، أو محاولات للضغط على رجال الدرك لتحقيق مصالح شخصية أو للهروب من مخالفات قانونية، فإن هذا السلوك يضرب في صميم دولة القانون، ويستهدف مؤسسة تقوم بدورها وفق ضوابط واضحة. الاتهام بلا دليل هو ظلم، وتحويل كل خلاف بسيط أو إجراء قانوني روتيني إلى “قضية رأي عام” بناء على نصف حقيقة أو تصريح منفرد، هو مسار خطير يقوّض الثقة في الأجهزة الأمنية والقضائية.

ليس مقبولاً أن يصبح مجرد امتلاك كاميرا أو هاتف مدخلاً لتوجيه اتهامات مجانية، أو إطلاق أحكام جاهزة، أو التشهير بعناصر الدرك دون الاستماع إلى رواية الطرف الآخر ودون احترام مساطر التحقق القانونية، فهناك مسؤولون إداريون، وقنوات رسمية لتقديم الشكايات، وضباط قضائيون، وجهات مختصة هي وحدها المخولة بتقييم الوقائع واتخاذ الإجراءات المناسبة.

المطلوب اليوم أن تبقى الأمور في يد المؤسسات المختصة، وأن تُترك التحقيقات تسير في مسارها الطبيعي، بعيداً عن التهويل وتضخيم الأحداث، وبعيداً عن محاولات تسييس الملفات أو استغلالها لتحقيق مكاسب آنية، فالمؤسسة العسكرية، وعلى رأسها الدرك الملكي، ليست فوق النقد، لكنها فوق العبث، والنقد الحقيقي هو الذي يستند إلى معطيات، ويطالب بالتحقيق، وينتظر نتائجه، ويحترم مسار العدالة، أما التشهير، والكذب، وتصفية الحسابات، واستغلال منصات التواصل لتوجيه الضربات دون برهان، فهي سلوكيات يجب التصدي لها بالقانون.

في النهاية، تبقى الحقيقة واضحة: العدالة وحدها هي التي ستُظهر من أخطأ ومن ظُلم، سواء كان دركياً أو مواطناً، أما من يتعمّد التشويش على مؤسسات الدولة عبر اتهامات غير موثقة، فالقانون كفيل بوضع الأمور في نصابها عندما تكتمل الأدلة وتظهر الحقيقة كاملة.

✍️إمضاء: محمد بنهيمة_ مدير جريدة أفريقيا بلوس ميديا بالنيابة

جميع الحقوق محفوظة – أفريقيا بلوس ميديا

قم بكتابة اول تعليق

أترك لنا تعليق

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*