—
بقلم: محمد بنهيمة_جريدة أفريقيا بلوس ميديا
تحقيق صحفي – قضايا محلية – مساءلة سلطات ترابية – فوضى عمرانية وإدارية
“الكرملين ينهار… المهندس يتبرأ والرخصة سُحبت منذ 2023: أسرار صادمة تكشف الفوضى الحقيقية في بوسكورة”
في بوسكورة، المشهد لم يعد يحتاج إلى كاميرا خفية ولا إلى تقرير مفبرك ليكشف سوء التدبير؛ فالفوضى هنا تتكلم بلغتها الخاصة، وتكشف أكثر مما تخفي. ما يحدث داخل هذه المنطقة لم يعد مجرد تجاوزات فردية أو أخطاء إدارية… بل صار منظومة كاملة تُدار بخيوط غير مرئية، بينما السلطات التي يفترض بها حماية القانون اكتفت بدور المتفرج، أو لنقل بدور “الحاضر الغائب” الذي يرى كل شيء ويتصرف وكأنه لا يرى شيئاً. المواطنون يتساءلون بمرارة: هل سلطات بوسكورة فعلاً خارج التغطية؟ أم أنها داخل كل التفاصيل ولكنها تفضّل الصمت لأنه الخيار الأكثر راحة؟ كيف يمكن أن تستمر الفوضى العمرانية، والغموض الإداري، وتضارب القرارات، والانفلات التنظيمي… دون أن يرفّ جفن للمسؤولين الترابيين؟ هل يعقل أن يتحرك “الظل” أسرع من السلطة؟ وأن يصدر القرار من خارج المكاتب بينما الموظفون فقط يوقعون في النهاية؟
المسؤولية القانونية واضحة: السلطة المحلية هي أول جهة مكلفة بتطبيق القانون، وردع التجاوزات، ومراقبة المجال، ومنع المتلاعبين من تحويل المدينة إلى سوق مفتوح للنفوذ والمصالح الخاصة. ومع ذلك، يبدو أن بعض المسؤولين اختاروا الطريق الأسهل: ترك الفوضى تتكاثر، والتجاوزات تتناسل، والملفات تُطوى بصمت، والقرارات تُطبخ بعيداً عن الأعين، بينما المواطن يدفع الثمن وحده. لا يمكن أن يتطور هذا النوع من العبث دون غطاء، ودون ضعف إرادة، ودون غياب صريح للحزم الإداري. فحين يصبح كل شيء “مسموحاً” بالصمت، وحين تتحول التجاوزات إلى أمر واقع، وحين يجد المواطن نفسه في مواجهة نفوذ أقوى من مؤسسات الدولة… يصبح السؤال مشروعاً: هل بوسكورة تُحكم بالقانون أم تُدار بالترضيات؟ هل اليد التي توقّع هي فعلاً اليد التي تقرّر؟ أم أن هناك من يمسك بالخيوط من خارج المؤسسات، بينما السلطة الرسمية تؤدي دور الواجهة فقط؟
المشاهد اليومية التي يعيشها السكان—من الفوضى العمرانية، إلى الأنشطة غير القانونية، إلى غياب الرقابة، إلى الانتقائية في تطبيق القانون—هي شهادة حية على أن المشكل ليس في المواطن، بل في غياب سلطة قوية نزيهة تعيد النظام إلى مكانه الطبيعي. فمن غير المقبول أن تظل بوسكورة منطقة “مفتوحة” لكل أشكال العشوائية بينما الدولة تبني نموذجاً جديداً للحكامة والتدبير والصرامة القانونية. وإذا كانت السلطات تعرف ما يجري وتسكت، فتلك مصيبة. وإذا كانت لا تعرف، فالمصيبة أعظم. فالمواطن لا يطالب بالمستحيل؛ يطالب فقط بأن يرى سلطة تُمارس سلطتها، ومسؤولين يحمون القانون بدل حماية الصمت، وقرارات تصدر من المكاتب الرسمية لا من خلف الستار، وتدبيراً شفافاً لا مكان فيه للغموض ولا للنفوذ الذي يتصرف كما يشاء.
في خضم هذه الأسئلة الثقيلة، جاء ملف «كرملين بوسكورة» ليضع كل شيء تحت الضوء الساطع، ويعرّي وجهاً من وجوه الفوضى التي نمت في غياب سلطة حقيقية تراقب وتضبط وتردع. ففي تطور لافت يزيد من تعقيد هذا الملف الذي تحوّل إلى قضية رأي عام وطنية، خرج المهندس المعماري حساين مروان عن صمته ليكشف لأول مرة تفاصيل صادمة حول المشروع الذي هُدم بالكامل، مقدماً رواية تقنية موثقة تقلب الكثير من الفرضيات التي راجت في الكواليس والشارع. المهندس، في شهادة رسمية مؤرخة بـ19 نونبر، أعلن تبرؤه التام من صاحب المشروع، مؤكداً أنه قطع علاقته بالورش منذ يونيو 2022 بسبب مخالفات جسيمة لقانون التعمير والتصاميم المصادق عليها، وأن كل ما بُني بعد ذلك التاريخ لا يمتّ إليه بصلة لا تقنياً ولا أخلاقياً.


قم بكتابة اول تعليق