المهندس يقطع صلته بالمنعش… ورخصة البناء سُحبت منذ 2023: لغز ‘كرملين بوسكورة’ يخرج للنور {صور}

✍️بقلم: محمد بنهيمة_جريدة أفريقيا بلوس ميديا

تحقيق صحفي – قضايا محلية – مساءلة سلطات ترابية – فوضى عمرانية وإدارية

“الكرملين ينهار… المهندس يتبرأ والرخصة سُحبت منذ 2023: أسرار صادمة تكشف الفوضى الحقيقية في بوسكورة”

في بوسكورة، المشهد لم يعد يحتاج إلى كاميرا خفية ولا إلى تقرير مفبرك ليكشف سوء التدبير؛ فالفوضى هنا تتكلم بلغتها الخاصة، وتكشف أكثر مما تخفي. ما يحدث داخل هذه المنطقة لم يعد مجرد تجاوزات فردية أو أخطاء إدارية… بل صار منظومة كاملة تُدار بخيوط غير مرئية، بينما السلطات التي يفترض بها حماية القانون اكتفت بدور المتفرج، أو لنقل بدور “الحاضر الغائب” الذي يرى كل شيء ويتصرف وكأنه لا يرى شيئاً. المواطنون يتساءلون بمرارة: هل سلطات بوسكورة فعلاً خارج التغطية؟ أم أنها داخل كل التفاصيل ولكنها تفضّل الصمت لأنه الخيار الأكثر راحة؟ كيف يمكن أن تستمر الفوضى العمرانية، والغموض الإداري، وتضارب القرارات، والانفلات التنظيمي… دون أن يرفّ جفن للمسؤولين الترابيين؟ هل يعقل أن يتحرك “الظل” أسرع من السلطة؟ وأن يصدر القرار من خارج المكاتب بينما الموظفون فقط يوقعون في النهاية؟

المسؤولية القانونية واضحة: السلطة المحلية هي أول جهة مكلفة بتطبيق القانون، وردع التجاوزات، ومراقبة المجال، ومنع المتلاعبين من تحويل المدينة إلى سوق مفتوح للنفوذ والمصالح الخاصة. ومع ذلك، يبدو أن بعض المسؤولين اختاروا الطريق الأسهل: ترك الفوضى تتكاثر، والتجاوزات تتناسل، والملفات تُطوى بصمت، والقرارات تُطبخ بعيداً عن الأعين، بينما المواطن يدفع الثمن وحده. لا يمكن أن يتطور هذا النوع من العبث دون غطاء، ودون ضعف إرادة، ودون غياب صريح للحزم الإداري. فحين يصبح كل شيء “مسموحاً” بالصمت، وحين تتحول التجاوزات إلى أمر واقع، وحين يجد المواطن نفسه في مواجهة نفوذ أقوى من مؤسسات الدولة… يصبح السؤال مشروعاً: هل بوسكورة تُحكم بالقانون أم تُدار بالترضيات؟ هل اليد التي توقّع هي فعلاً اليد التي تقرّر؟ أم أن هناك من يمسك بالخيوط من خارج المؤسسات، بينما السلطة الرسمية تؤدي دور الواجهة فقط؟

المشاهد اليومية التي يعيشها السكان—من الفوضى العمرانية، إلى الأنشطة غير القانونية، إلى غياب الرقابة، إلى الانتقائية في تطبيق القانون—هي شهادة حية على أن المشكل ليس في المواطن، بل في غياب سلطة قوية نزيهة تعيد النظام إلى مكانه الطبيعي. فمن غير المقبول أن تظل بوسكورة منطقة “مفتوحة” لكل أشكال العشوائية بينما الدولة تبني نموذجاً جديداً للحكامة والتدبير والصرامة القانونية. وإذا كانت السلطات تعرف ما يجري وتسكت، فتلك مصيبة. وإذا كانت لا تعرف، فالمصيبة أعظم. فالمواطن لا يطالب بالمستحيل؛ يطالب فقط بأن يرى سلطة تُمارس سلطتها، ومسؤولين يحمون القانون بدل حماية الصمت، وقرارات تصدر من المكاتب الرسمية لا من خلف الستار، وتدبيراً شفافاً لا مكان فيه للغموض ولا للنفوذ الذي يتصرف كما يشاء.

في خضم هذه الأسئلة الثقيلة، جاء ملف «كرملين بوسكورة» ليضع كل شيء تحت الضوء الساطع، ويعرّي وجهاً من وجوه الفوضى التي نمت في غياب سلطة حقيقية تراقب وتضبط وتردع. ففي تطور لافت يزيد من تعقيد هذا الملف الذي تحوّل إلى قضية رأي عام وطنية، خرج المهندس المعماري حساين مروان عن صمته ليكشف لأول مرة تفاصيل صادمة حول المشروع الذي هُدم بالكامل، مقدماً رواية تقنية موثقة تقلب الكثير من الفرضيات التي راجت في الكواليس والشارع. المهندس، في شهادة رسمية مؤرخة بـ19 نونبر، أعلن تبرؤه التام من صاحب المشروع، مؤكداً أنه قطع علاقته بالورش منذ يونيو 2022 بسبب مخالفات جسيمة لقانون التعمير والتصاميم المصادق عليها، وأن كل ما بُني بعد ذلك التاريخ لا يمتّ إليه بصلة لا تقنياً ولا أخلاقياً.

وبحسب الوثيقة، فقد بدأ المشروع بشكل قانوني يوم 6 غشت 2021 باعتباره «مسكناً قروياً وإسطبلات للخيول» في دوار لحفاية، غير أن الأمور انحرفت بسرعة بعد انطلاق الأشغال، حيث لاحظ المهندس اختلافات كبيرة عن التصاميم الأصلية شملت الارتفاعات والواجهات والغلاف الخارجي وطريقة البناء، وهي تغييرات جوهرية تستوجب وقف الأشغال فوراً. ورغم صدور تحذير إداري في أبريل 2022، ظل صاحب المشروع يسير في الاتجاه المعاكس، مما دفع المهندس إلى تعليق زياراته وعدم تحمّل أي مسؤولية عمّا تم بناؤه بعد ذلك التاريخ. ويورد المهندس أيضاً أن رخصة البناء جرى تعليقها سنة 2023، ما يعني أن ما تلاها يدخل ضمن خانة البناء غير المرخص وغير الخاضع للمراقبة الهندسية، بل وكشف المهندس أن المنعش لجأ إلى «مصممة ديكور مقيمة بالخارج مجهولة الهوية» للإشراف على التصاميم الداخلية، وهو تفصيل يثير مزيداً من الأسئلة حول طبيعة المشروع وهوية من كان يتحكم فعلياً في تصوراته، خاصة بعدما تحول من «مسكن قروي» إلى ما يشبه قصراً ضخماً.

ومع انتهاء عملية الهدم الخاطفة التي لم تتجاوز ستة أيام، واندثار مبنى قُدرت تكلفته بـ160 مليون درهم على مساحة 15 ألف متر مربع، لم يبقَ سوى غبار كثيف وأسئلة أثقل من الإسمنت وأقسى من الحديد: كيف نما مشروع بهذا الحجم خارج الإطار القانوني؟ من سمح باستمرار الأشغال؟ وأين كانت لجان المراقبة الترابية والتقنية؟ وكيف لم تتدخل السلطات طوال المدة التي كان فيها المشروع يتضخم أمام الجميع؟ والأهم: من هي الجهة التي كانت تحرك الخيوط الحقيقية خلف الستار؟

الهدم أنهى البناية، لكنه لم ينهِ الملف. القصر اختفى، لكن المعطيات لم تختفِ. الوثائق خرجت، والشهادات بدأت تتسرب، وما كشفه المهندس ليس سوى أول خيط في شبكة أكبر بكثير مما سقط تحت الجرافات. وبقدر ما سقط القصر، سقطت معه آخر الأقنعة التي كانت تغطي حقيقة الفوضى التي تنمو حين تغيب السلطة أو تتغافل. لقد آن الأوان لطرح الأسئلة بلا تردد: من يحكم بوسكورة فعلاً؟ ومن يتحمل مسؤولية كل ما كان يحدث على الأرض؟ وهل كانت السلطة موجودة فعلاً… أم أن “الظل” كان هو الحاكم الفعلي؟

بوسكورة اليوم تحتاج إلى سلطة حقيقية لا سلطة شكلية، إلى قرار لا يخاف الحقيقة، وإلى مساءلة تعيد الثقة وتثبت أن الدولة لا تسمح بأن يتحول هامشها إلى منطقة خارج القانون. فإمّا أن يُعاد ترتيب البيت بوضوح وصرامة… أو يبقى الظل هو صاحب القرار.

✍️إمضاء: محمد بنهيمة_ مدير جريدة أفريقيا بلوس ميديا بالنيابة

جميع الحقوق محفوظة – أفريقيا بلوس ميديا

قم بكتابة اول تعليق

أترك لنا تعليق

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*