في قلب الجزائر، الدولة الأكبر في شمال إفريقيا، ثمة لعبة سياسية معقدة لا يعرفها كثيرون خارج الأسوار الرسمية. على مدى عقود، كانت جبهة البوليساريو تُعتبر أداة ضغط في الصراع حول الصحراء المغربية، لكن الوقائع الأخيرة تشير إلى تحول خطير: النفوذ لم يعد من الجزائر على البوليساريو، بل العكس.
—من أداة إلى شريك في القرار
تأسست البوليساريو في أواخر السبعينيات بهدف المطالبة باستقلال الصحراء الغربية، واعتمدت في البداية على دعم الجزائر السياسي والعسكري واللوجستي. لكن مع مرور الوقت، صار النفوذ المالي والسياسي للجبهة يتجاوز حدود المخيمات في تندوف، ليصل إلى دواليب القرار في العاصمة الجزائرية نفسها.
مصادر سياسية جزائرية مطلعة تشير إلى أن العديد من السياسات الخارجية للجزائر، خصوصًا المتعلقة بالمغرب والمنطقة المغاربية، لم تُتخذ إلا بعد تنسيق مباشر مع قيادات البوليساريو، ما يعكس تحوّل الجزائر من الدولة الحاكمة إلى الدولة الخاضعة لشريك غير منتخب.
—النفوذ المالي: أموال الشعب بين يدي البوليساريو
إلى جانب النفوذ السياسي، هناك الجانب المالي الذي يثبت قوة البوليساريو داخل الجزائر. ميزانية ضخمة تُخصص لدعم المخيمات، مشاريع وهمية، وتوظيف شبكات مالية تُغذي الأجهزة العسكرية للجبهة.
هذا الإنفاق، غالبًا ما يتم بدون شفافية، يُضعف الاقتصاد الجزائري ويحول جزءًا كبيرًا من ثروات الشعب إلى سلطة غير رسمية تمارس دورًا أكبر من بعض مؤسسات الدولة نفسها.
—القوة العسكرية: وجود فعلي داخل الجزائر
الميزة الثالثة التي تعزز سيطرة البوليساريو هي القوة العسكرية. مخيمات تندوف ليست مجرد مأوى للنازحين، بل تحولت إلى قواعد تدريب وتسليح الأطفال القاصرين، حيث تنتشر الأسلحة والمدرعات تحت إشراف قيادة الجبهة الإرهابية للبوليساريو.
هذه القوة العسكرية، التي لا تخضع للرقابة البرلمانية أو الحكومية الجزائرية التقليدية، تمنح البوليساريو قدرة على التأثير المباشر في القرارات الأمنية والدفاعية للجزائر، بما يجعلها شريكًا غير رسمي في صنع القرار.
—تاريخ طويل من التواطؤ
التحول في ميزان القوى بين الجزائر والبوليساريو ليس وليد اليوم، بل هو نتاج عقود من التواطؤ السياسي والعسكري.
فقد استثمرت القيادة الجزائرية في دعم الجبهة لتحقيق أهداف استراتيجية، لكنها لم تتوقع أن تتحوّل هذه العلاقة إلى استحواذ غير رسمي على مفاصل الدولة.
اليوم، يواجه الشعب الجزائري واقعًا صعبًا: جزء من سياسات بلاده يتم رسمه خارج مؤسسات الدولة الرسمية، بما في ذلك السياسة الخارجية والقرارات العسكرية والمالية الكبرى.
—الخطر على الجزائر والمنطقة
هذا الوضع يطرح أسئلة حاسمة:
كيف يمكن لجزائر أن تتخذ قراراتها الوطنية بحرية بينما جزء من السلطة الفعلية بيد جهة غير انتخابية؟
ما هو تأثير هذا النفوذ على استقرار البلاد ومكانتها الإقليمية؟
وهل سيستمر الشعب الجزائري في دفع ثمن قرارات لا يشارك في صنعها؟..الواقع يشير إلى أن الوضع الحالي يهدد سيادة الدولة الجزائرية ويضعف دورها الإقليمي، ويعيد ترتيب القوى في شمال إفريقيا لصالح جهة خارجية تتحكم في السياسة الداخلية بطريقة غير مسبوقة.
—خاتمة
بين التاريخ المالي، النفوذ العسكري، والارتباط السياسي العميق، تبدو المعادلة واضحة: الجزائر لم تعد تتحكم في البوليساريو، بل جبهةالبوليساريو الإرهابية، هي من أصبحت تتحكم في الجزائر.
هذا التحول يستدعي يقظة الشعب والمراقبين على حد سواء، ويفرض نقاشًا عامًا حول مصير الدولة وسيادتها، وأين تنتهي سلطة الشعب الجزائري، وأين تبدأ سلطة جهة خارجة عن القانون.
قم بكتابة اول تعليق